عنوان الموضوع : بحر الدموع (2)- الشامل
مقدم من طرف منتديات الشامل

بسم الله الرحمن الرحيم ..
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لانبي بعده وبعد ..

كنت قد طرحت من فترة قصير الجزء الأول من الفصل الأول لكتاب بحر الدموع لأبن الجوزي رحمه الله .. والموجود على هذا الرابط ..

بحر الدموع (1)

واليوم نلتقي مع الجزء الثاني للفصل الأول . ولنبحر معا في عالم من المتعة والفائدة ... في بحر من الزهد ..والتوبة ... علنا نجد الفائدة والمتعة ..

يقول رحمه الله ..:
يا عبد السوء، كم تعصي ونستر، كم تكسر باب نهي ونجبر، كم نستقطر من عينيك دموع الخشية ولا يقطر، كم نطلب وصلك بالطاعة، وأنت تفرّ وتهجر، كم لي عليك من النعم، وأنت بعد لا تشكر. خدعتك الدنيا وأعمال الهوى وأنت لا تسمع ولا تبصر. سخّرت لك الأكوان وانت تطغى وتكفر، وتطلب الاقامة في الدنيا وهي قنطرة لمن يعبر.

منعوك من شرب المودة والصفا ***** لما رأوك على الخيانة والجفا
إن أنت أرسلت العنان اليهم ***** جادوا عليك تكرّما وتعطّفا
حاشاهم أن يظلموك وإنما ***** جعلوا الوفا منهم لأرباب لوفا


وروي عن الحسن البصري رضي الله عنه أنه قال:" دخلت على بعض المجوس وهو يجود بنفسه عند الموت، وكان حسن الجوار، وكان حسن السيرة، حسن الأخلاق، فرجوت أن الله يوفقه عند الموت، ويميته على الاسلام، فقلت له: ما تجد، وكيف حالك؟ فقال: لي قلب عليل ولا صحة لي، وبدن سقيم، ولا قوة لي، وقبر موحش ولا انيس لي، وسفر بعيد ولا زاد لي، وصراط دقيق ولا جواز لي، ونار حامية ولا بدن لي, وجنّة عالية ولا نصيب لي، ورب عادل ولا حجة لي.
قل الحسن: فرجوت الله أن يوفقه، فأقبلت عليه، وقلت له: لم لا تسلم حتـى تسلم؟ قال: إن المفتاح بيد الفتاح، والقفل هنا، وأشار الى صدره وغشي عليه.
قال الحسن: فقلت: الهي وسيدي ومولاي، إن كان سبق لهذا المجوسي عندك حسنة فعجل بها اليه قبل فراق روحه من الدنيا، وانقطاع الأمل.
فأفاق من غشيته، وفتح عينيه، ثم أقبل وقال: يا شيخ، إن الفتاح أرسل المفتاح. أمدد يمناك، فأنا أشهد أن لا اله الا الله وأشهدأن محمدا رسول الله، ثم خرجت روحه وصار الى رحمة الله.
وأنشدوا:

يا ثقتي يا املي ***** أنت الرجا أنت الولي
اختم بخير عملي ***** وحقق التوبة لي
قبل حلول أجلي ***** وكن لي يا ربّ ولي


اخواني، ما هذه السّنة وأنتم منتبهون؟ وما هذه الحيرة وأنتم تنظرون؟ وما هذه الغفلة وأنتم حاضرون؟ وما هذه السكرة وأنتم صاحون؟ وما هذا السكون وأنتم مطالبون؟ وما هذه الاقامة وأنتم راحلون؟ أما آن لأهل الرّقدة أن يستيقظوا؟ أما حان لأبناء الغفلة أن يتعظوا؟.
واعلم أن الناس كلهم في هذه الدنيا على سفر، فاعمل لنفسك ما يخلصها يوم البعث من سقر.

آن الرحيل فكن على حذر ***** ما قد ترى يغني عن الحذر
لا تغترر باليوم أو بغد ***** فلربّ نغرور على خطر

قال الجنيد: كان سري السقطي رضي الله عنه متصل الشغل، وكان اذا فاته شيء من ورده لا يقدر أن يعيده.
وكذلك كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه، لم يكن له وقت ينام فيه، فكان ينعس وهو جالس، فقيل له: يا أمير المؤمنين، ألا تنام؟ فقال: كيف انام؟! ان نمت بالنهار، ضيّعت حقوق الناس، وان نمت بالليل ضيّعت حظي من الله.
وسمع الجنيد رضي الله عنه ما يقول: ما رأيت أعبد لله تعالى من سريّ السّقطي، أتت عليه ثمان وسبعون سنة ما رؤي قط مضطجعا الا في علته التي مات فيها.
قال الجنيد رضي الله عنه: سمعت السريّ السقطي رضي الله عنه يقول: لولا الجمعة والجماعة ما خرجت من بيتي، وللزمت بيتي حتى أموت.
قال أبو بكر الصيدلاني: سمعت سليمان بن عمار يقول: رأيت أبي في المنام فقلت له: ما فعل بك ربك؟ فقال: ان الرب قرّبني وادناني، وقال لي: يا شيخ السوء أتدري لم غفرت لك؟ فقلت: لا يا الهي. قال: إنك جلست للناس يوما مجلسا فأبكيتهم، فبكى فيهم عبد من عبيدي لم يبك من خشيتي قط، فغفرت له ووهبت أهل المجلس كلهم له، ووهبتك فيمن وهبت له.

عن علي بن محمد بن ابراهيم الصفار، قال: حضرت أسود بن سالم ليلة وهو يقول هذين البيتين ويكررهما ويبكي:

أمامي موقف قدّام ربي ***** يسألني وينكشف الغطا
وحسبي أن أمرّ على صراط ***** كحد السيف أسفله لظى


قال: ثم صرخ صرخة، ولم يزل مغمى عليه حتى أصبح رضي الله عنه.

وكذلك يروى عن الضحّاك بن مزاحم أنه قال: خرجت ذات ليلة الى مسجد الكوفة، فلما قربت من المسجد، فاذا في بعض رحابه شاب قد خـرّ ساجدا وهو يخور بالبكاء، فلم أشك أنه ولي من أولياء الله تعالى؟، فقربت منه لأسمع ما يقول فسمعته يقول أبياتا:

عليك يا ذا الجلال معتمدي ***** طوبى لمن كنت أنت مولاه
طوبى لمن بات خائفا وجلا ***** يشكو الى ذي الجلال بلواه
وما به علة ولا سقم ***** أكثر من حبّه لمولاه
اذا خلا في ظلام الليل مبتهلا ***** أجابه الله ثم لبّاه
ومن ينل ذا من الاله فقد ***** فاز بقرب تقرّ عيناه


فبقي يكرر هذه الأبيات ويبكي، وانا أبكي رحمة لبكاءه، فبينما أنا كذلك، لاح لي ضوء كالبرق الخاطف، فأسرعت بيدي الى عيني، فسمعت، فاذا بمنادٍ ينادي من فوق رأسه بصوت عذب لذيذ لا يشبه كلام بني آدم، هو يقول:

لبيّك عبدي وأنت في كنفي ***** وكل ما قلت قد قبلناه
صوتك تشتاقه ملائكتي ***** وحسبك الصوت قد سمعناه
ان هبذت الريح من جوانبه***** خرّ صريعا لما تغشاه
ذاك عبدي يجول في حجبي ***** وذنبك اليوم قد غفرناه


فقلت: مناجاة الحبيب مع حبيبه وربّ الكعبة، فخريّت مغشيا على وجهي لما أدركني من الهيبة، ثم أفقت من غشيتي وأنا أسمع ضجيج الملائكة في الهواء، وخفقان أجنحتهم بين السماء والأرض، خيّل اليّ أن السماء قد قربت من الأرض، ورأيت النور قد غلب على ضوء القمر، وكانت ليلة مقمرة ساطعة النور، فدنوت منه وسلمت عليه، فردّ عليّ السلام، فقلت له: بارك الله فيك، من أنت يرحمك الله؟ فقال لي: أنا راشد بن سليمان، فعرفته لما كنت أسمع عنه. فقلت له: رحمك الله، لو أذنت لي في صحبتك لآنس بك، فقال لي: هيهات هيهات، وهل يأنس بالمخلوقين من تلذذ بمناجاة رب العالمين، فانصرف عني وتركني رضي الله عنه.
أسأل الله لنا ولكم السلامة والعافية .. وحسن الختام ..
جزى الله خيرا كل من رد على هذا الموضوع وخصني بالدعاء لي ولوالدي وأسكنه فسيح جناته ..
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ..



>>>>> ردود الأعضـــــــــــــــــــاء على الموضوع <<<<<
==================================

جزاك الله خير وجعلك في الفردوس الأعلى

__________________________________________________ __________
أهلا وسهلا بك اخيتي المحروقة ..
اسعدني مرورك ..
وسعادتي تكبر حينما تتحقق الفائدة ..


__________________________________________________ __________
بارك الله فيك اخي فارس وجزاك خيرا

__________________________________________________ __________
أهلا وسهلا بكِ أخيتي ..
وبارك الله بكِ وبمرورك ..


__________________________________________________ __________
:: :: ::



جزاك الله الجنة


وكتبت في موازين حسناتك ولاحرمت الاجر


موضوع قيم


يعطيك العافية


اختك // صف صف



:: :: ::