عنوان الموضوع : يقول المجنون في الحب ما لا يُقال
مقدم من طرف منتديات الشامل

..
..

وقد يجمع الله الشتيتين بعدما… يظنان كل الظن ألا تلاقيا… هذا البيت لا يمكن أن يمر على أي مهتم بالشعر العربي دون أن يذكر أنه للمجنون. ومن هو المجنون؟… تاريخنا السياسي والأدبي حافل بالمجانين ولكن واحداً فقط من القدامى والمحدثين هو محتكر اللقب هو مجنون ليلى… وتقول المراجع التاريخية: مجنون ليلى هو قيس بن الملوح ويُقال ابن معاذ بن مزاحم. وليلى: هي ليلى بنت سعد

متى وُلد قيس؟ لا أحد يعرف بالضبط، وإن كان الزمن الذي تذكره بعض المراجع هو 68 هجرية أو 688 ميلادية.

أما لماذا لم تهتم المراجع بتحديد سنة ميلاده فلأنه لكثرة الروايات التي قيلت عن المجنون ولكثرة الشعر الذي نسب إليه تولدت لدى كثيرين قناعة بأن هذه الشخصية وهمية ومن صنع الخيال العربي، بل إن بعض المراجع أشارت إلى أن جميع ذلك الشعر وتلك الحكايات تعود في الأصل لفتى من بني أُمية أحب ابنة عمه ورفض أهلها تزويجها له؛ فهام بها ونظم لها قصائد الحب والحنين ونسبها إلى شخصية المجنون قيس الذي ما هو إلا رمز يتكئ عليه حتى لا يكشف سره، ولكن الرواة الذين عاصروا قيساً وسمعوا منه وعاشوا فصول حكاية حبه، أكدوا لنا أن شخصية قيس حقيقية ولكن شدة المأساة التي وقع فيها الشاعر وهيامه في الفيافي والقفار لا يلوي على شيء ولا تفكير لديه إلا بليلاه، هذه المأساة جعلته مشهوراً واستطاع كسب عطف المجتمع الذي بدأ أفراده يتناقلون شعره وحكاياته. من هؤلاء الرواة: الزبير بن بكار ومصعب بن عبدالله الزبيري وإسحق الموصلي وأبو عمرو الشيباني والأصمعي وغيرهم.

تعلق قيس بليلى منذ الطفولة، حيث كانا يلعبان معاً ويرعيان الإبل، فلا يفرقهما إلا الليل حيث يعود كل منهما إلى داره، ما كاد الطفلان يكبران حتى وضعت العادات والتقاليد الحواجز والسدود أمام لقائهما.

◆ كبرت ليلى يا قيس، وأصبح محرماً أن تخرج وحدها لتلتقي بك.

◆◆ ولكنني أحبها يا أمي.

◆ لا تذكر ذلك أمام أحد، حتى لا يتسرب الخبر إلى أهلها، فيرفضوا تزويجك بها.

◆◆ ليلى لي وأنا لها يا أمي، لن يفرقنا إلا الموت.

◆ يا ولدي، عليك بالصبر.

◆◆ ومن أين لعاشق مثل قيس بهذا الصبر، ومن يستطيع أن يمنعه من زيارة ليلاه أو الطواف حول بيتها.

حول بيتها

ومن الروايات التي تناولت هذا الطواف ما روي عنه أنه كان إذا اشتد شوقه إلى ليلى يمر على آثار المنازل التي كانت تسكنها، فتارة يقبّلها وتارة يلصق بطنه بكثبان الرمل ويتقلب على حافاتها وتارة يبكي منشداً:

أمــرُّ علـى الديـار ديـار ليلـى أقبّـل ذا الجــدار وذا الجـدارا

وما حب الديار شغفن قلبـي ولكن حبُّ مـن سكن الدّيـارا

وصلت مأساة الشاعر قمتها عندما قام أهلها بتزويجها من غيره للخلاص من تشبيب قيس بها وجعلها حكاية على كل لسان وفي كل مجلس، عندها بدأت مرحلة الهيام، ترك قيس أهله وبيته وقبيلته. وهام في الصحراء، ينام فوق الرمل، يبكي فراق من أحب، ويسجل بدموع عينيه ودم قلبه أجمل وأرقى وأرق قصائد الحب، وعندما يصل الشوق إلى أقصى مداه يطل على ديار ليلى بوجهه الشاحب وثيابه الرثة وهيكله المتصدع، ملاحقاً بالأطفال الذين ينادونه ضاحكين عابثين بالمجنون.

◆ اجتمع القوم إلى أبيه وقالوا:

◆◆ هذا البلاء الذي وقع على ابنك يمكن أن يرفع.

◆ لا يرفع البلاء إلا الله.

◆◆ لذلك نقترح عليك يا أبا قيس أن تخرج به إلى مكة ليرى بيت الله الحرام، ثم يزور قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلعله يستعيد عقله ويعافيه الله.

استجاب والد قيس لاقتراح قومه، وخرج بقيس إلى مكة فجعل يطوف بابنه ويدعو الله عز وجل له بالشفاء، ولكن قيس يجعل صلاته كلها ودعاءه لله سبحانه وتعالى في ذلك المكان المقدس لغاية واحدة هي أن يغفر الله ذنوب ليلى وأن يسعدها وألا يعيش لحظة واحدة لا يحبها فيها، فقال من معه من المرافقين العالمين بمأساته.

◆ اسأل الله أن يريحك من ليلى.

◆◆ بل أسأل الله أن يزيد حبي لها، اسمعوا ما يقول قلبي في هذا المكان المقدس:

دعـا المحرمــون اللـه يســتغفرونه

بمكـــة شـعثاً كي تمحَّـى ذنوبهــا

وناديــت يا رحمـــن أول ســــؤلتي

لنفســي ليلـى ثـم أنـت حســـيبها

وإن أعـط ليلـى في حياتي لَمْ يَتُبْ

إلــى اللــه عبـــدٌ توبــةً لا أتوبُهــا

يقـــر بعينـــي قربهـــا ويزيدنــــي

بها عجباً مــن كان عندــي يعيبُهــا

فيا نفسُ صبراً لستِ والله فاعلمي

بأول نفـــسٍ غــابَ عنهــا حبيبُهــا

لم تُفِدْ زيارة الكعبة ذلك العاشق إلا بجعله أكثر حباً لليلى وأكثر جنوناً بها، وانساب شعره في ذلك المكان الروحي قصيدة تلو أخرى يعبر عن خلجات نفسه والعذاب الذي يكتوى بناره في غياب ليلى.

فعل الحب

الحب جعل من المحب شاعراً، جعل منه شجاعاً لا يخاف الموت فكم هددوه بالموت إذا اقترب من ديار ليلى، ولكنه كان لا يخشى تهديداً ولا يمتنع، وكلما رأى أهل ليلى ذلك المجنون في حيهم يقومون إلى ليلى وكأنها هي المذنبة فيضربونها وتصل تلك الأخبار إلى قيس، فيقول:

أتضـــرب ليلــى كلمــا زرت دارهــا

ما ذنـبُ شـــاةٍ طبَّقَ الأرضَ ذيبُهــا

فمكــرمُ ليلـى مكرمــي ومهينُهــا

مهيني وليلـى سـرُّ روحـي وطيبُهـا

لئـن منعـوا ليلـى السـلامَ وضيَّقوا

عليهــا لأجلــي واســـــتَمرَّ رقيبُهــا

أتيــت ولـو أن الســيوف تنوشــني

وطفتُ بيوت الحـي حيـث أجيبُهــا

جعل حب ليلى من قيس مجنوناً، ولكنه جنون يذوب فيه الحبيب في المحبوب، فيملك عليه حواسه ويسيطر على مشاعره، حاول الرجل بكل فداء وتضحية أن يعيش ذلك الحب ولكن تقاليد القوم وعاداتهم منعته، ولم يجد ذلك العاشق الصادق إلا أمه.

◆ يا ولدي إنني أتعذب أكثر منك.

◆◆ أريد أن أراها يا أمي ولو مرة واحدة، لا أمل لي بالحياة إلا برؤيتها، اذهبي وتوسلي إليها لتزورنا وسوف أرتاح بعدها، أرجوك يا أمي.

خرجت أم قيس للقاء ليلى، وفي ذلك اللقاء وبكلمات ممتزجة بدموع أم محبة لابنها، مشفقة عليه قالت:

يا ليلى، جنّ ابني من أجلك وذهب حبك بعقله وقد امتنع عن الطعام والشراب.

◆ وما ذنبي أنا يا أم قيس، وماذا بإمكاني أن أفعل؟

◆◆ أسألك بالله أن تشفقي عليه قبل أن يموت.

◆ إني مشفقة فعلاً، ولكن ماذا تريدينني أن أفعل؟

◆◆ سيري معي إليه.

◆ أسير معك إلى قيس؟ ماذا تقولين؟

◆◆ أرجوك يا ليلى، حياته في خطر، لعله إذا رآكِ يهدأ قليلاً ويعود إلى الحياة.

كان الطلب إنسانياً، ولكنه وجد هوى في قلب ليلى التي كانت مرغمة على إخفاء مشاعرها، فالعادات وحياة القبيلة قد تسمح للرجل بأن يصرح بحبه ولكنها تحرّم ذلك على المرأة، كانت ليلى تحب قيساً وتتمنى لو تنتهي مأساة ذلك الشاعر المبدع بزواجها منه.. ولكن.

◆ اسمعي يا خالة، لا يمكنني أن أسير معك خلال ساعات النهار حتى لا تراني العيون وتلوكني الألسن، ولكنني سأزوركم إذا سجى الليل.

وكان ذلك اللقاء الرهيب بين المجنون وحبيبته ليلى في حضور أمه.

ساد الصمت وتكلمت العيون وخفقت القلوب وعادت الابتسامة إلى وجه قيس.

أية تراجيديا عاشها ذلك الشاعر، وأية قصيدة نختار لنتحدث عن حكايتها، إلا أن جميع قصائد المجنون لها حكاية واحدة، حكاية الحب المذبوح، والحب الذي سقط شهيداً لأنه كان صادقاً في حبه، مخلصاً له ومات في سبيله. ومع ذلك نختار هذه الأبيات التي تحكي هي نفسها الحكاية التي صنعت القصيدة، نختارها من قصيدة «المؤنسة».

◆◆◆◆

تذكــرتُ ليلـــى والســـنينَ الخواليــا

وأيامَ لا نخشـــى علـى اللهــوِ ناهيـا

ويومٍ كظــلّ الرمـــحِ قصــرتُ ظلّــه

بليلـــى فلَهّانـــي وما كنــت لاهيــا

بثَمْدينَ لاحَــتْ نار ليلــى وصحبتــي

بذات الغضى تزجي المطي النواجيا

فقالَ بصيرُ القـــومِ ألمحــتُ كوكبــا

بدا فــي ســوادِ الليــل فـردا يمانيــا

فقلــت لـه: بَـلْ نارُ ليلـــى توقّــدَتْ

بِعَليْــا تســامى ضَـوؤهـــا فبَدَا لِيــا

فليتَ ركابَ القومِ لَمْ تقطعِ الغضى

وليـت الغضى ماشـى الركـابَ لياليا

فيـا لَيْـلَ كَـمْ مــن حاجَـةٍ لـي مهمّةٍ

إذا جئتكُـــمُ بالليـــل لَـمْ أدرِ ماهيـــا

خليلــــيَّ إن تبكيانـــــي أَلْتَمِــــــسْ

خليـلاً إذا نزفــتُ دَمْعـي بَكــى ليــا

فمـــا أشــرف الإيفـــاع إلاّ صبابَــــةً

ولا أنشــــدُ الأشــــــعارَ إلاّ تـداوِيـــا

وقَـدْ يَجمــعُ اللـهُ الشــتيتين بَعدمَــا

يَظنّـــان كــلَّ الظـــــنّ أنْ لا تلاقيَــا


المصدر


..

..


هنا مقتطفات للشاعر قيس بن الملوح ..
لمن يود المشاركة
ليضع أجمل ما قرأ للشاعر

,,


>>>>> ردود الأعضـــــــــــــــــــاء على الموضوع <<<<<
==================================

..
..


تَدَاوَيْتُ مِنْ لَيْلَى بِلَيْلَى عَن الْهَوى

كمَا يَتَدَاوَى شَارِبُ الخَمْرِ بِالْخَمْرِ


..


__________________________________________________ __________





أح ــمــد

يعطيك العاافيه
مساحه جميله اتمنى لك و لها دوام الاستمرار


__________________________________________________ __________


__________________________________________________ __________


__________________________________________________ __________
أَلَيسَ اللَيلُ يَجمَعُني وَلَيلى *** كَفاكَ بِذاكَ فيهِ لَنا تَداني

تَرى وَضَحَ النَهارِ كَما أَراهُ *** وَيَعلوها النَهارُ كَما عَلاني
.
.
أح ــمــد
.
.
أهلاً وسهلاً بعبير حضورك

الله على جمال الحرف
حين تسكبه تلك العواطف النبيلة


شكراً لك على ما أمتعتنا به

من نقل مميز

وهذه المساحة الجميلة
كحضورك البهي



..
..



..

البيت الثاني .. قصة لوحده !!
يصف الشاعر مقدار حبه لـ ليلى ..
حيث يقول بأنها إذا قلقت عليه لأي سبب ( أصابك من وجدٍ )
فإن هذا القلق البسيط سيصيبها بالجنون الحقيقي .. بسبب حبها العظيم له ..
( أصابك من وجدٍ عليّ جنونُ )
وهذا هو مقدار الحب الحقيقي لها .. القليل من القلق يصله إلى الجنون
( أحبك حباً لو تحبين مثله)

بعض الأبيات قاتلة في معانيها
مع العلم أنني قرأت ذات مرة أن البيت الصحيح يقول
أحبك حبا لو تحبين ( نصفه ) ..
وليس ( مثله ) ..
مع ذلك القصيدة المنتشرة هي التي تم طرحها ..
على جميع الأحوال يبقى للحب العذري وقصصه روعة خاصة ونكهة رائعة ..

..