عنوان الموضوع : قوآعد نبويه 4/50 د. عمر بن عبد الله المقبل .. - قصص انبياء
مقدم من طرف منتديات الشامل

قوآعد نبويه [4/50] د. عمر بن عبد الله المقبل ..





قواعـــد نبويـــــــــــــة [4/50]



د. عمر بن عبد الله المقبل















القاعدة النبوية الثالثة:



الدين النصيحة (1)


الحمد لله رب العالمين، حمداً دائماً بدوامه سبحانه، على نعمه وآلائه وفواضله، والصلاة والسلام على من آتاه ربه جوامع الكلم في أقواله، وعظيم الأخلاق في أفعاله.


أما بعد: فمرحباً بكم - أيها القراء الأعزاء - في سلسلتكم المباركة: "قواعد نبوية"؛ لنتذاكر في حلْقة قاعدة من القواعد النبوية المحكمة التي دلّ عليها قول النبي صلى الله عليه وسلم:"الدين النصيحة".


أيها الإخوة القراء:
إن نبينا صلى الله عليه وسلم حين قرر هذه القاعدة: "الدين النصيحة"، - وكررها ثلاثاً (2) - كما في بعض طرق الحديث عند أهل السنن - اهتماماً بشأنها، تساءل أصحابه رضي الله عنهم - وهم أحرص الناس على الخير -:لمن؟ فبين ذلك فقال:"لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم".
وبالنظر في مادة "نصح" من جهة اللغة فإنا نجد أنها تدور على معان منها:
الملاءمة بَيْنَ شَيْئَيْنِ وَإِصْلَاحهُمَا، والنُّصْحُ وَالنَّصِيحَةُ: خِلَافُ الْغِشِّ، وَنَصَحْتُهُ أَنْصَحُهُ، ويوصف العامل بأنه ناصح إذا كان مخلصاً، ومنه: التَّوْبَةُ النَّصُوحِ، كَأَنَّهَا صَحِيحَةٌ لَيْسَ فِيهَا خَرْقٌ وَلَا ثُلْمَةٌ (3).




وهكذا هو المعنى ههنا؛ فإن المطلوب من المؤمن أن يمحض النصح لمن خصّهم النبي صلى الله عليه وسلم بالذكر، وأن يقصد بذلك وجه الله تعالى، ليفلح وينجح في مراده.



الوقفــــــــــــــــة الأولى:
مع ما تضمنته هذه الجملة المختصرة "الدين النصيحة" من الإعجاز والإيجاز:
يقول الخطابي رحمه الله:"وهي من وجيز الكلام، بل ليس في الكلام كلمة مفردة تستوفى بها العبارة عن معنى هذه الكلمة، وهذا الحديث من الأحاديث التي قيل فيها أنها أحد أرباع الدين"(4)ا.هـ.




وَقَالَ الإمام الْحَافِظُ أَبُو نُعَيْمٍ: هَذَا حَدِيثٌ لَهُ شَأْنٌ.
وصدق الإمامان رحمة الله عليهما؛ فإن من تأمل دلالة هذا التركيب، علم حق العلم أن الدين كله - ظاهره وباطنه - منحصر في النصيحة! وهي القيام التام بهذه الحقوق الخمسة(5).




الوقفة الثانيــــــــــــة:
في معنى النصيحة لمن ذكرهم النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث العظيم:



أما النصيحة لله: فبتحقيق التوحيد الخالص في ربوبيته، وألوهيته، وأسمائه وصفاته، والقيام بعبوديته ظاهراً وباطناً، والإنابة إليه كل وقت، والخضوع له: رغبة ورهبة، مع التوبة والاستغفار الدائم؛ لأن العبد لا بد له من التقصير في شيء من واجبات الله، أو التجرؤ على بعض المحرمات، وبالتوبة الملازمة والاستغفار التام ينجبر نقصه، ويتم عمله وقوله (6).



وأما النصيحة لكتاب الله: فبحفظه وتدبره، وتعلم ألفاظه ومعانيه، والاجتهاد في العمل به في نفسه وفي غيره، وكثرة تلاوته، ونشره بين الخلق، والجهاد به، فإنه الجهاد الكبير، كما قال تعالى:"وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا" [الفرقان:52].



وأما النصيحة للرسول صلى الله عليه وسلم: فهي الإيمان به ومحبته، وتقديمه فيها على النفس والمال والولد، واتباعه في أصول الدين وفروعه، وتقديم قوله على قول كل أحد، والاجتهاد في الاهتداء بهديه، والنصر لدينه.



ومما يدخل في النصيحة له صلى الله عليه وسلم: بَيَان حال من غلط فِي الرِوَايَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَو تعمد الْكَذِب عَلَيْهِ أَو على من ينْقل عَنهُ الْعلم، وهذا الحديث وأمثاله، هو الذي حمل أئمة السنة على الرحلة في طلب الحديث، وتصنيف الكتب في الجرح والتعديل.



وفي هذا القصة المشهورة التي رواها أبو بكر بن خلاد، قال: قيل ليَحْيَى بْن سعيد الْقطَّان، فيمَ تركت حَدِيثه من رُوَاة الحَدِيث، أما تخَاف إِن يخاصموك عِنْد اللَّه تَعَالَى؟ فقَالَ: لِأَن يَكُونُوا خصومي فِي هَذَا الْمَعْنى، أحب إِلَيّ من أَن يكون خصمي رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيَقُول لي:لم رويت عني حَدِيثا ترى أَنه كذب؟ (7).



وأما النصيحة لأئمة المسلمين- وهم ولاتهم، من الإمام الأعظم إلى الأمراء والقضاة إلى جميع من لهم ولاية عامة أو خاصة-:فباعتقاد ولايتهم، والسمع والطاعة لهم بالمعروف، وإن نُقِصَ أمرُ دنياه، وعدم الخروج على الولاة، وحث الناس على هذا الأصل المهم، وبذل ما يستطيعه من إرشادهم، وتنبيههم إلى كل ما ينفعهم بالحكمة، وكذا القيام بما يجب لهم.



ومما يدخل في النصيحة لأئمة المسلمين من أهل العلم:بَيَان من غلط في رَأْي رَآهُ فِي أَمر الدّين من الْمسَائِل العلمية والعملية، لكن على من أراد البيان أن يتفقد نيته، وأن يكون حكيماً في بيانه بما يقتضيه المقام من شدة ورفق، ومن هذا الباب نشأت كتب الردود منذ وقت مبكر في نهايات القرن الثاني.
وأما النصيحة لعامة المسلمين: فبأن يحب لهم ما يحب لنفسه، ويكره لهم ما يكره لنفسه، ويسعى في ذلك بحسب الإمكان؛ فإن من أحبَّ شيئاً سعى له، واجتهد في تحقيقه وتكميله.(8)





الوقفة الثالثــــــــــــــة:
يلاحظ في هذه القاعدة النبوية المحكمة:أنه صلى الله عليه وسلم "بدأ أولاً باللّه؛ لأن الدين له حقيقةً، وثنىّ بكتابه الصادع ببيان أحكامه المعجز ببديع نظامه، وثلّث بما يتلو كلامه في الرتبة وهو رسوله الهادي لدينه، الموقف على أحكامه، المفصل لجُمَل شريعته، وربّع بأولي الأمر، الذين هم خلفاء الأنبياء القائمون بسنتهم، ثم خمّس بالتعميم" (9).




الوقفة الرابعـــــــــــــــــة:
مما يدخل في عموم هذه القاعدة النبوية العظيمة: "الدين النصيحة"، أمور:
1- إنها: أن لا يرضى بمعصية العاصي من إخوانه، بل يحبُّ طاعة من أطاع الله ورسوله.



2-ومن دقائق معاني النصيحة الداخلة تحت هذه القاعدة النبوية: أن لا يرضى بالمعصية لنفسه، بل يجب عليه كراهية المعصية، وهذا معنى قول بعضهم: "يجب على من بيده الكأس أن ينكر على الجلاس" (10).


3- ومنها: أن النصيحة حق للمنصوح ولو لم يطلبها بلسان المقال، فإن لسان الحال كافٍ في استحقاقه للنصح، لكن يراعى في ذلك التوقيت المناسب لتقديم النصيحة (11).


4- من المهم مراعاة مقامات الناس في النصيحة: فمنزلة الأئمة في الحكم أو العلم، ومنزلة الوجهاء وكبار القوم، ليست كمنزلة غيرهم، وحال الجاهل ليس كحال العالم، وحال المخطئ لأول مرة ليست كحال المعاند.


5- نبّه الإمام الشافعي -رحمه الله- لأدب مهم من آداب النصيحة، يغفل بعض الناس عنها، مما يترتب عليه عكس قصد الناصح، وقد ضمنها أبياته المشهورة:


تعمدْني بنصحِكَ في انفرادي ** وَجَنِّبني النصيحةَ في الجماعةْ



فإِن النصحَ بين الناسِ نوعٌ ** من التوبيخِ لا أرضى استماعَهْ



وإِن خالفتني وعصيتَ قولي ** فلا تجزعْ إِذا لم تُعْطِ طاعهْ




6-على المنصوح أن يتسع صدره للنصح، فإن النصيحة مُرّة إلا على قلوب العقلاء، ذلك أن حقيقة النصيحة هي - في الغالب -: بيان عيب وخطأ، أو إرشاد إلى كمال، وكثير من النفوس تكره ما يشعرها بنقصها، ولا يفرح بالنصح إلا أصحاب النفوس الكبيرة، والعاقل من أفاد من نصح الناصحين - بغض النظر عن مقاصدهم -، ومن جميل ما يؤثر عن الأصمعي قوله:


النصحُ أرخصً ما باع الرجالُ فلا ** ترددْ على ناصحٍ نُصْحاً ولا تَلُمِ



إِن النصائحَ لا تخفى مَناهِجُها ** على الرجالِ ذوي الألبابِ والفهمِ




بل العاقل من استفاد من تتبع أعدائه لزلاته ليجتنبها، كما قال الأول:


عُداتي لهم فضلٌ عليَّ ومنةٌ ** فلا أبعدَ الرحمنُ عني الأعاديا



هم كشفوا عن زلتي فاجتنبتها ** وهم نافسوني فاكتسبْتُ المعاليا




الوقفة الخامســــــــــــــــة:
ما أجمل أن نعيش معنى هذا الحديث واقعاً معاشاً، كما عاشه ذلك الصحابي الجليل جرير ين عبدالله البجلي رضي الله عنه، قال:"بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة، والنصح لكل مسلم" (12).
وإليك هذا المثل التطبيقي من واقع هذا الصحابي الجليل، وذلك فيما رواه الطبراني في "المعجم الكبير" من طريق إبراهيم بن جرير البجلي، عن أبيه، قال:
غدا أبو عبد الله إلى الكُنَاسَة(13) ليبتاع منها دابة، وغدا مولى له فوقف في ناحية السوق، فجعلت الدواب تمر عليه، فمر به فرس فأعجبه، فقال لمولاه: انطلق فاشتر ذلك الفرس؛ فانطلق مولاه، فأعطى صاحبه به ثلاثمائة درهم، فأبى صاحبه أن يبيعه! فماكسه، فأبى صاحبه أن يبيعه! فقال:هل لك أن تنطلق إلى صاحب لنا ناحية السوق؟ قال:لا أبالي! فانطلقا إليه، فقال له مولاه: إني أعطيت هذا بفرسه ثلاثمائة درهم فأبى، وذكر أنه خير من ذلك! قال صاحب الفرس:صدق- أصلحك الله- فترى ذلك ثمناً؟ قال:لا، فرسك خيرٌ من ذلك، تبيعه بخمسمائة حتى بلغ سبعمائة درهم أو ثمانمائة، فلما أن ذهب الرجل أقبل على مولاه، فقال له: ويحك انطلقتَ لتبتاعَ لي دابة، فأعجبتْني دابةُ رجل؛ فأرسلتُك تشتريها، فجئتَ برجلٍ من المسلمين يقوده، وهو يقول: ما ترى ما ترى! وقد "بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على النصح لكل مسلم؟!"
(14).




والسؤال: ما الذي ستفعله لو كنتَ مكان جرير بن عبد الله رضي الله عنه؟!


اللهم اجعلنا من عبادك المتناصحين فيك ومن أجلك



وإلى لقاء قريب -بمشيئة الله - في قاعدة جديدة


_________
(1)قال المازري النصيحة مشتقة من نصحت العسل إذا صفيته، أو مشتقة من النصح وهي الخياطة، ومنه التوبة النصوح كأن الذنب يمزق الدين والتوبة تخيطه". فتح الباري: (1/ 138) بتصرف يسير.
وفي نوابغ الكلم: ما منع قول الناصح أن يروقك، وهو الذي ينصح خروقَك؟!. ربيع الأبرار: (1/ 470).
(2) تراجع الرواية من حيث السند، فالذي في صحيح مسلم بلا تكرار.
(3)ينظر: مقاييس اللغة: (5/ 435).
(4)فتح الباري: (1/ 138)بتصرف يسير.
(5)ينظر: غذاء الألباب شرح منظومة الآداب: (1/ 33).
(6)ينظر: جامع العلوم والحكم: (ص79).
وفي هذا الموضع نقل عن عبد العزيز بن رفيع: قال الحواريون لعيسى عليه الصلاة و السلام: ما النصح لله؟ قال: أن تبدأ بحق الله قبل حق الناس، وإن عرض لك أمران، أحدهما لله تعالى والآخر للدنيا؛ بدأت بحق الله تعالى.
(7)تعليقات الدارقطني على المجروحين لابن حبان: (72).
(8)ينظر: غذاء الألباب شرح منظومة الآداب: (1/ 35).
(9)مصابيح التنوير على صحيح الجامع الصغير للألباني: (1/ 107).
(10)ينظر: غذاء الألباب شرح منظومة الآداب: (1/ 35).
(11)ينظر: منهاج السنة النبوية: (5/145).
(12)أخرجه البخاري(57)، ومسلم(56).
في سير أعلام النبلاء: (11/500) تعليق جميل للذهبي على هذه القاعدة، حيث يقول رحمه الله:
"فتأمل هذه الكلمة الجامعة، وهي قوله :"الدين النصيحة" فمن لم ينصح لله وللأئمة وللعامة؛ كان ناقص الدين، وأنت لو دعيت يا ناقص الدين لغضبت! فقل لي: متى نصحت لهؤلاء؟ كلا والله، بل ليتك سكت ولا تنطق، أوْ لا تُحَسِّن لإمامك الباطل، وتُجرّؤه على الظلم وتغشه؛ فمن أجل ذلك سقطت من عينيه ومن أعين المؤمنين، فبالله قل لي: متى يفلح من كان يسره ما يضره؟! ومتى يفلح من لم يراقب مولاه؟! ومتى يفلح من دنا رحيله وانقرض جيله وساء فعله وقيله؟! فما شاء الله كان، وما نرجو صلاح أهل الزمان، لكن لا ندع الدعاء لعل الله يلطف وأن يصلحنا. آمين".
(13)لعلها المحلة التي بالكوفة.
(14)المعجم الكبير": (2/ 334).



>>>>> ردود الأعضـــــــــــــــــــاء على الموضوع <<<<<
==================================

جزاك الله خير ع الطرح القيم

__________________________________________________ __________

جزيتي الجنه بطرحك
ويعطييك ربي الف عافيه


__________________________________________________ __________
بارك الله فيك
وجزاك الله خير

__________________________________________________ __________
.




.



الله ينؤرَ قلبِكً بَ العَلمُ ؤ آلدَينُ
ويشَرِحَ صدَركَ بَ الهًدىَ وآليقٍينَ
ؤييسَر آمَركَ ؤيَرفعُ مقآمكَ في عليينَ
ؤيحشَركَ بَ جؤآر آلنبيَ الآميينَ


__________________________________________________ __________
بارك الله فيك
ونفع بك

يعطيــــــك العافيـــــــــه