بين جفنات الكروم وأحواض النعناع الأخضر
وعقود الياسمين الأبيض
جلست تلك الصبية
تُسند رأسها الى ساعدها
تتكأ على مسندِ كرسي خشبي
عيناها ذابلتان
تحبس دمعة
كزنبقة ٍ ذبلت أوراقها
ترخي حواسها لخرير ماء النهر
وخشخشة أوراق الخريف الملونة
تجول بعيناها المكان
شاردة
سافرت بخيالها للماضي القريب
مرت أمامها صور وأحداث
بكت بحرقة
فراق كل شيء جميل
تنفست بحسرة
شوق جارف
يأس وقنوط
لوعة ووحدة
يقترب الربيع من سور حديقتنا
يقطف لي من كل إناءٍ وردة
جمع لي حبات توت ذهبي
في قدح بلور
أشعل شموع المساء
تراقص قلبي مع لهيبها
غرد الكروان
قرب نافذتي
فوق شجرة التين العجوز
من خلف أغصانها الغليضة
لوح لي بيده
أبتسمتُ بفمٍ يرتجف
خوف وترقب وحذر
وقفتُ
أحبس أنفاسي
أمسك قلبي لأخمد ضجيجه
كنتَ ولازلت حلم بعيد المنال
تعانقت أرواحنا في السماء
فوق تلك الهضبة الخضراء
وقرب سور حديقتنا
يولد الألم من رحم الظلام
يكمم فاه الحرف بالغراء
وقلم يغرز حروفه فوق ورقٍ شديد الإهتراء
يصرخ بصوت خافت في الخفاء
ويدندن حتى مطلع الفجر
أنشودة : " كفاك ياعين بكاء "
بعيداً عن أعين البشر
يصرخ بقلب مكلوم
بصوت مخنوق يصدح في الفراغ
يرتد إليه صدى غير مفهوم
مطر مطر
أهطل يا مطراً
لا ربيع آتٍ ولا صيف حضر
وهذا الشتاء غول مفترس
يكتسح اليابس والأخضر
يسابق الريح
يهز السماء
ملىء البحر وفاض النهر
أهمس للطير
أهمس للشجر
لا تبتعد
جن جنون الحرف
كبت مشاعر مزق الرسائل والصور
أذاب جليد القلب
سكب الدمع مدراراً في السحر
أحمل حفنة من النور
فوق كفوفي
أسير بين ملايين البشر
أبحث عن قلب صغير تاه مني
في زحمةِ أحلامي ويقظتي
تتساقط أجزاء من قلبي
ألملم بعثرتي
أنظر لوجهي على صفحة الماء الجاري
تختفي عيناي
تختفي ملامحي بين أمواج النهر
تمحو الدموع آثار الصور
يوقظ الماء غفوتي
وبكائي وأنيني
تختفي صورتي
وأفقد البصر
فقدت بوصلتي
وكل الجهات
حمقاء تلك الصباحات
توقظني على أنين حلم
أثكل وسادتي بفجيعة موت آخر أمل
وسقوط القمر في اليم العميق
عم الظلام وأختفت كل الصور
صفعتني أمواج الحقيقة
لفت بيّ الأرض
سرت حافية القدمين
معصوبة العينين
أتتبع خطوات قلبي
أهتزت الأرض تحت قدميّ
سمعت دوي مراجل
قطار القدر السريع
سحق قلبي تحت عجلاته
وأشعل روحي بصفيره الجهور
هكذا تركني ورحل
ونوارس البحر
تُرثي يومي المشؤوم
غريب هائم
يبحث عن وجه كان يعرفه
نسيَ أسمه
نسيَ شكله
يوما من الأيام كان يرافقه
صدفة جمعهما القدر
حمله رسالة دون ختم أو عنوان
سافر لبلاد ما وراء النهر
ما زال يحمل خارطة وقلم تلوين أحمر
كيف نخيط جراحنا
كيف نرمم إنكساراتنا
لا خيط ولا مخيط
أكتشفت أن للحقيقة وجه آخر
كبرنا وكبرت معنا أحزاننا
سألوه عني مراراً
كان يتهرب من الإجابه
يبكيك قلمي
تبكيك دفاتري وأوراقي
كلما هممت أن أشد على ظهري لأستقيم
أنحني وتلتوي مفاصلي
حملت كل الهموم
حتى سال من عيون السماء دمع أحمر
أعلم جيدا ً أنك تتألم لألمي
لأنك كنت َأول من زرع زهرة في قلبي
وأول من أشعل قنديل فرح على عتبة داري
وأخر من فارقني دون أسباب
المشهد الأخير لن يتغير
حلم ضبابي يخفى ملامحي
يخفى معالم الأحداث
حرف رمادي باهت يُقرأ من كل الاتجاهات
وطفلة خلف الستارة ترتجف
في يدها وردة ذابلة
ولعبة صغيرة بظفيرة وشريط أحمر
هكذا أنتهى المشهد الأخير
أسدل الستار
صفق الجمهور
لوح مودعاً
مات البطل
رد مع اقتباس
