عنوان الموضوع : ## أشهر جاسوسة عربية للموساد ##
مقدم من طرف منتديات الشامل

السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة

احييكم واطل عليكم اليوم بقصة يقشعر لها البدن ، بقصة غايه في التشويق والاثارة ، قصة من تاريخ اسود لفتاة باعت ديناها ووطنها واهلها من اجل شئ زائف ، لا بل باعت الاخرة من اجل الدنيا .

اخواني واعزائي واحبائي القصه طويله ومشوقه بنفس الوقت ، فاطلب منكم ان تقوموا بحفظ الصفحة في المفظلة وكل ما سنحت لكم الفرصه تقرأو جزء منها حتى لا يتخلل لكم الملل .. وحتى يبقى جزء الاثارة والتشويق موجود بيها

لا اريد ان اطيل عليكم ، وسوف ابدأ ان شاء الله بسرد وقائعها الحقيقية والله المستعان وارجو ان لا تبخلوا بالرد بعد اتمام القراءة

هذه اجمل التحيات وارق النسمات لكم

اخواني في كثير من الفصول قمت بتقسمها الى نصفين بسبب طولها ولا استطيع كتابة اكثر من 10000 حرف


>>>>> ردود الأعضـــــــــــــــــــاء على الموضوع <<<<<
==================================

بسم الله الرحمن الرحيم


مقدمة الرواية :

لا شك أن عالم الجاسوسية مليء بالأسرار والقصص التي تبدو وكأنها
قصص تفوق الخيال نظرا للتقدم التقني والأساليب الجهنمية التي تتبعها المؤسسات الإستخبارية في جميع دول العالم حتى أصبحت الجاسوسية
عِلماً قائماً بحد ذاته.. له مدارسه وكلياته.
،،،
وتلجأ جميع الدول لزرع وتجنيد جواسيس لها في مختلف الدول خاصة الدول التي تكون في حالة حرب معها.. وقد برع الموساد (الإستخبارات الصهيونية)
في هذا المجال.. وجندوا العديد من الجواسيس والخونة في الدول العربية
خاصة في مصر ولبنان وسوريا..
،،
وهذه القصة هي لجاسوسة عربية استطاع الموساد تجنيدها للحصول على
معلومات عسكرية في غاية الخطورة استفاد منها الصهاينة في حربهم مع العرب..
،،
وقد كتب قصتها:

الصحفي المصري : فريد الفالوجي
،،
وها أنا ذا أضعها بين أيديكم مع بعض التعديلات في الوصف
وبعض المسميات والإضافات الخفيفة التي تثري الموضوع
ولا تبعده عن مضمونه .

،،
لنرى كيف استطاعت هذه الجاسوسة الحاقدة أن تتعاون مع الموساد وتقدم له
الخدمات ضد وطنها ودينها الذين باعتهما بأرخص الأثمان.


،،،


__________________________________________________ __________
الفصل الأول



فتاة من الشرق :

في إحدى ضواحي عمان الراقية، ولدت أمينة داود المفتي عام 1939 لأسرة شركسية مسلمة، هاجرت الى الأردن منذ سنوات طويلة، وتبوأت
مراكز سياسية واجتماعية عالية.
والدها تاجر مجوهرات ثري، وعمها لواء في البلاط الملكي.

،،
و أمها، سيدة مثقفة تجيد أربع لغات، وذات علاقات قوية بسيدات المجتمع الراقي. كانت أمينة أصغر أخواتها – شقيقتان متزوجتان وثلاثة أشقاء آخرين . حظيت بالدلال منذ طفولتها، طلباتها لا ترد أو تؤجل، ضحكاتها المرحة الساحرة كانت وشوشات الحبور في جنبات البيت الذي يشبه القصر .

،،
في المرحلة الثانوية أوغلت فيها مظاهر الأنوثة، فبدت رقيقة الملامح، عذبة، شهية، طموحة، ذكية. لكنها برغم تقاليد أسرتها المحافظة، تسخر من تقاليد الشرق وقيوده، وتحلم بالحب والانطلاق، والحرية.

،،
وفي ثورة تقلباتها أحبت "بسام" الفلسطيني الأصل، وأطلقت تجاهه فيضانات المشاعر المتدفقة بلا حدود، أو انقطاع. لكنها صدمت بشدة عندما هجرها إلى أخرى أجمل منها، وأكثر اتزاناً، وكتب لها يقول أنها أنانية، مغرورة،
سريعة الغضب، شرسة الطباع.

،،
هكذا كشف لها الحبيب عن مساوئ تنشئتها، وأسلوبها الخاطئ في فهم الحياة
لأن حبها كان قوياً، جباراً، عاتياً، عصفت بها الصدمة، وزلزلت قلبها الصغير، وتملكتها رغبة مجنونة في الثأر والانتقام

(وكانت هذه هي البداية لسلوكها العفن فيما بعد )
،،
كانت لكل تلك التصارعات آثارها السلبية على دراستها، إذ حصلت على الثانوية العامة بدرجات متوسطة، دفعتها للتفكير في السفر الى أوروبا للالتحاق بإحدى جامعاتها، وهذا تقليد متبع بين أبناء الأثرياء في الأردن.

،،
عام 1957 التحقت بجامعة فيينا، وأقامت بالمنزل رقم 56 شارع يوهان شتراوس ـ لعدة أسابيع، قبل أن يفتح القسم الداخلي أبوابه لإقامة الطالبات المغتربات.
،،
أسبغت الحياة الجديدة على أمينة سعادة غامرة، ودفئاً من نوع آخر وقد جمعتها الحجرة بطالبة مرحة في نهائي الطب – تدعى جولي باتريك - من جوهانسبرج، ذات خبرة كبيرة بالحياة الأوروبية.

،،
وفي متنزهات المدينة الساحرة، والحرية اللانهائية لفتاة من الشرق، علمتها جولي التدخين، وحذرتها من العلاقات الجنسية مع الشباب حيث الحمل والإجهاض.
،،
وحببت إليها أسلوباً جنسياً خاصاً بالنساء، يرتقى بالمتعة إلى ذروة الانتشاء، والأمان، فأقبلت أمينة على التساحق مع الفتاة الخبيرة بالشذوذ،
وشيئاً فشيئاً أدمنت الفعل الخبيث حتى الثمالة
و رأت فيه انطلاقتها وتحررها من قيود الشرق، والخجل.
(وبئس الفكر والتحرر) ..

،،
بانتهاء العام الدراسي الأول، وعودة جولي إلى وطنها،
افتقدت أمينة لسعات الخدر الجميل، فتقربت من فتاة أخرى تدعى
جينفيف ووترود، وسعت لإدارة الدار لكي تشاركها الحجرة الواحدة،
والشذوذ الذي تزداد جرعاته العطشى يوماً بعد يوم.

،،
هكذا مرت سنوات الدراسة بجامعة فيينا، تصطخب بالرغبة والتحرر إلى
أن حصلت أمينة على بكالوريوس علم النفس الطبي
PSYSHOLOGY MEDICAL
وتعود في أغسطس 1961 إلى عمان مكرهة، تضج بالمعاندة والنفور، وتحمل بداخلها طبائع أخرى، وأحاسيس مختلفة، وآلام الهجرة إلى القيود والرقابة.

،،
في غمرة معاناتها وكآبتها، تذكرت حبيبها الأول – بسام – فجابت عمان طولاً وعرضاً بحثاً عنه، وهزتها الحقيقة المرة عندما علمت بزواجه من فتاته الجميلة الفقيرة، وحاصرها السهوم والملل والحقد، ولم تجد حلاً لأزمتها إلا السفر ثانية
الى النمسا، بدعوى استكمال دراستها العليا لنيل الدكتوراه
عازمة على ألا تعود الى الشرق أبداً.



تابعوا احداث الفصل الاول


__________________________________________________ __________
آني موشيه :


23 عاماً ونيف هو عُمر أمينة المفتي عندما عادت الى فيينا من جديد، تحمل قلباً ممزقاً، ووجهاً شاحباً، وكراهية لموروثاتها "العقيمة"،
وجسداً أنهكه صمت رجفات النشوة، واصطكاكها.

،،
لفحتها نسمات الحرية في أوروبا، وسلكت مسلك فتياتها في العمل والاعتماد على النفس، غير عابئة بما كان يرسله لها والدها من مصروف شهري.

،،
فعملت بورشة صغيرة للعب الأطفال،الى أن ساقت إليها الصدفة فتاة يهودية
تدعى "سارة بيراد"، شاركتها العمل، والسكن، و ....... الشذوذ.
فالتصقت بها أمينة، وسرعان ما انخرطت معها في تيار الهيبيز، الذي انتشرت أولى جماعاته في أوروبا تلك الحقبة، متجاهلة رغبة أسرتها
في تزويجها من ابن العم التاجر الثري.

،،
وفي زيارة لأسرة سارة في وستندورف، دق قلبها فجأة بقوة لم تستطع دفعها. إنها المرة الثانية التي يخالجها ذلك الشعور الرائع المشوق، فقد كان موشيه – شقيق سارة الأكبر – شاب لا يقاوم.

،،
إنه ساحر النظرات والكلام، حيوي الشباب رائق الطلعة . عرفت أنه طيار عسكري برتبة نقيب، يكبرها بنحو سبع سنوات شاعري، مهووس بموسيقى موتسارت و بيزيه، وولوع بالشعر الأسود ونجلاوات الشرق.
،،
في نزهة خلوية معه حاولت أمينة ألا تنحرف، لكنها ما كانت تتشبث إلا بالهواء،
واستسلمت لأصابعه تتخلل شعرها، وتتحسس أصابعها المرتعشة،
وتضغط ضغطاً ملهوفاً على مغاليق قوتها، فتنهار قواها وترتج في عنف مع
مذاق أول قبلة من رجل، فأحست بروعة المذاق ..

،،
وقالت في نفسها:
يا للغباء.. لقد خلقنا للرجال.!!
،،
وبين أحضانه الملتهبة، تأملته ، وأسكرتها دفقات المتعة المتلاحقة،
وغرقت من لذائذها في نهم وجوع، واشتياق.
حينئذ فقط . . أفرغت كل مشاعرها بين يديه . وبصدق، وضعف،
ثم اعترفت له بحبها.

،،
هكذا خطت أمينة المفتي خطوات الحرام مع الطيار اليهودي . . وهي المسلمة. وترنحت سكرى بلا وعي لتستقر في الحضيض . ولما أفاقت قليلاً . .
هربت منه الى فيينا، يطاردها دنس الجسد، وغباء العقل، ورجفة الرغبة.

،،
بمسكنها في شارع شتراوس حاولت أن تنسى، أن تغسل البدن المدنس بالخطايا، أن تمحو صورة أول رجل هتك ستر عفافها وأشعرها بفورة الأنثى، لكن مطارداته التليفونية
لها كانت تسحق إرادتها،
وتشتت عقلها الزائغ أمام جيوش عواطفه، فتخور صاغرة.

،،
تعددت لقاءاتهما المحرمة وتحولت أمينة بين يديه الى امرأة
لا تدخر وسعاً في إسعاده، وتغلبت على ضميرها قدر استطاعتها
وهي تدعي لنفسها الحق في أن تعيش، وتحيا، وتجرب، وتمارس الحب بلا ندم
في بلاد لا تعترف بالعذرية والعفاف.
،،
هكذا مرت خمس سنوات
في انحلال وترد، متناسية ما لأجله غادرت وطنها الى فيينا.

،،
وبعد جهد . . ساعدها موشيه في الحصول على شهادة دكتوراه مزورة في علم النفس المرضي – PATHOPYCHOLOGY – وهو احد فروع علم النفس الطبي، ثم عادت أدراجها الى الأردن في سبتمبر 1966 ليستقبلها الأهل
في حفاوة وفخر..!!

،،
ويطالبونها بإعلان موافقتها على الزواج من ابن عمها، لكنها تطلب إمهالها حتى تفتتح مستشفاها الخاص في عمان.
وبينما إجراءات الترخيص للمشفى تسير بشكلها العادي
وقع خلاف بينها وبين وكيل الوزارة المختص، فتشكوه إلى وزير الصحة الذي أبدى اهتماماً بشكواها وأمر بالتحقيق فيها على وجه السرعة.
تشككت اللجنة القانونية في تصديقات الشهادة العلمية، وطلبت منها تصديقات جديدة من فيينا.
،،
وخوفاً من انكشاف التزوير وما يصاحب ذلك من فضيحة لها ولأسرتها، سافرت أمينة الى النمسا متخمة بالخوف، وبأعماقها غضب يفيض كراهية لبلدها.

،،
وهناك . . أسرعت الى موشيه يعاودها الحنين، غير عابئة بانكسار وطنها العربي بانكسار 1967، فكانت تعلن شماتتها بلا حرج أو خجل، إذ طفحت منها الكراهية لكل ما هو عربي، ولكل ما يمت للعرب بصلة.
وبين نتف الجليد المتساقطة في ديسمبر، كانا يعبران معاً جسراً
خشبياً قديماً في المدينة
عندما استوقفها موشيه فجأة قائلاً:
آمنة . . أتتزوجينني . . ؟
،،
ودون أن تفكر أجابت وهي تحضنه في عنف:
موشيه الحبيب . . نحن زوجان يا عزيزي.
،،
أجابها بحسم ملاطفاً:
أريده زواجاً رسمياً في المعبد.

،،
وفي معبد شيمودت . . اعتنقت أمينة المفتي الديانة اليهودية ،
وتزوجت من موشيه زواجاً محرماً شرعاً، واستبدلت اسمها
بالاسم اليهودي الجديد .. "آني موشيه بيراد" .



،،
انتهى
الفصل الأول


__________________________________________________ __________
الفصل الثاني :

الهجرة الى الوطن المسلوب :

على أطراف مدينة فيينا أقامت أمينة مع زوجها بشقة جديدة رائعة، تمتد أمامها مساحات الزروع الخضراء الشاسعة، وتبدو أشجار الغابات من بعيد
كأنها رؤوس أشباح تطاردها كلما خلت الى نفسها.
،،
لقد رأت أن تنأى بعيداً عن عيون المخابرات العربية التي تصورت أنها تسعى إليها، وكرهت مجرد الخروج مشياً في نزهات خلوية وحيدة أو برفقة موشيه، وتغلبت عليها هواجس الخوف الشديد كلما التفت الى شباكها أحد المارة
،،
وعاشت تجرع التوتر في كل لحظة، فتحيل أيامها الى كابوس يخنق حياتها، ويغرز بأظافره الحادة المستطيلة في عنقها. وكثيراً ما استيقظت فزعة صارخة باكية، تتحسس في سرعة مسدسها المحشو وتصوبه الى أركان الغرفة.
،،
وفي صيف عام 1972، قرأت أمينة إعلاناً غريباً بإحدى الصحف، تطلب فيه إسرائيل متطوعين من يهود أوروبا للالتحاق بجيش الدفاع
مقابل مرتبات ومزايا عديدة مغرية.
وابتهجت المرأة التعسة، إذ تصورت أنها عثرت على الحل المثالي لمعاناتها وأخذت تعد العدة لموشيه لإقناعه بالفكرة، خاصة وأنه سيحصل على
جواز سفر صهيوني ، ومسكن في الوطن السليب
وأنها بمرافقته الى هناك ستودع الخوف الى الأبد.
لكن موشيه الذي كان يسعى للعمل بإحدى شركات الطيران المدنية عارض الفكرة، ورفضها، بدعوى أن الصهاينة والعرب في حالة حرب لن تهدأ حتى تشتعل، طالما أن هناك أرضاً محتلة وشعوباً عربية ثائرة.
ومع إلحاحها المتواصل ليل نهار، تقدم موشيه بأوراقه الى السفارة الصهيونية.

وفي نوفمبر 1972، كانا يطيران بطائرة العال الى الوطن المسلوب.
حظيت أمينة – آني موشيه – باستقبال أكثر من رائع في المطار .
،،
استقبال تحير له موشيه كثيراً وظن لأول وهلة أن زوجته إما أن تكون شخصية مرموقة ومعروفة في عمان، أو أنها ممثلة صهيونية مشهورة.
وابتسم في سعادة وهو يلمح مدى بهجتها وفرحها الطفولي
بالوطن الجديد، وبالمسكن المريح في ريشون لتسيون المعد
من الخشب على طراز الريف الانكليزي.
،،
واستدعيت أمينة بعد أيام قليلة الى إحدى الجهات الأمنية، حيث سئلت مئات الأسئلة عن نشأتها في الأردن، وعائلتها، ووظائف أقاربها ومعارفها، وعن كيفية تعارفها وموشيه، وزواجهما، فأجابت في سرد طويل.
،،
سئلت أيضاً عما تمثله إسرائيل بوجدانها، وسئلت عن مشاعرها تجاه الأردن، والفلسطينيين، فأقرت بأنها تكره منظمة التحرير، وكل المنظمات الإرهابية الفلسطينية، وأن الملك حسين أخطأ كثيراً عندما لم يقتلهم جميعاً في الأردن
فهم يكرهون الأقلية الشركسية في الأردن، وضربوا بيوتهم، وأتلفوا ممتلكاتهم، ظناً منهم أن عمها – اللواء بالبلاط الملكي –
كان وراء مذابح أيلول 1971 وأحد مرتكبيها.
،،
أُثنوا على المواطنة اليهودية الجديدة، وأعيدت الى منزلها على
وعد بتوفير عمل مناسب لها في أقرب فرصة.



البحث عن المستحيل :
أخضع موشيه لتدريبات الاستطلاع الجوي، بعدما تقلد رتبة رائد طيار
في سلاح الجو الصهيوني. وفي يناير 1973 طار بطائرته الـ سكاي هوك باتجاه الجبهة السورية .. فأسقطته مدفعية السوريين في أول طلعة استطلاع لهو اعتبر مفقوداً منذ تلك اللحظة.. لأن سوريا لم تعلن عن
أسر الطيار الصهيوني كما كان يحدث، لكنها أعلنت بأن
الطائرة انفجرت في الجو وقائدها بداخلها.
،،
لم تصدق أمينة الخبر، ولأيام طويلة ظلت تصرخ صرخات هستيرية لا تتوقف. وفي عيادة "كوبات حوليم هستدروت" للأعصاب في ريشون لتسيون، احتبس صوتها، أو لنقل إن صدمة الفاجعة ألجمت لسانها فصمتت.
وقبعت خلف زجاج حجرتها تنظر الى السماء، تزوغ نظراتها أحياناً،
وأحياناً أخرى تتبع العصافير في طيرانها ولهوها.
،،
وبعد شهر ونصف تكلمت، ونطقت قائلة : بأنها تشكك في البيان السوري، وبأن موشيه ما يزال حياً، متخفياً بين الحشائش والمغارات. فهو طيار ماهر
وقدراته عالية جداً
،،
في منزلها - وكانت برفقتها إحدى الأخصائيات النفسيات – كانت تحدث نفسها نهاراً بصوت مسموع، وفي الليل يسمع لها أنين خافت مليء بالوجع،
هو مزيج متهالك من مشاعر الحسرة والضياع.
،،
لقد صبت جام غضبها على العرب الذين أرهقوها في الأردن، وطاردوها في النمسا، وضيعوا حلمها في الاستقرار بالوطن السليب المسمى إسرائيل
كما تزعم هي وأمثالها الخونة

إن العرب هم آفة مستقبلها المظلم الآن، وسبب نكبتها وفجيعتها في زوجها الشاعري المهذب. ولأنهم هدموا حياتها كلها، تمنت لو أنها تستطيع الانتقام
فها هي وحيدة يائسة بين أناس لا تعرفهم، بل وتجهل لغتهم العبرية
وعاداتهم وطقوسهم.
،،
وعمداً تناست أنها هي التي دفعت بحياتها الى مستنقع الهاوية،والرذيلة عندما تزوجت من يهودي نجس ، ثم دفعته للهجرة الى فلسطين خوفاً على حياتها،
فقذفت به الى مصير مجهول، مماثل لمصيرها.المظلم فيما بعد .
،،
وقبلما يحطمها الانتظار ويعتريها الجنون، تقدمت بطلب الى السلطات المختصة للسماح لها بالسفر الى بيروت ودمشق لتقصي أخبار زوجها.
،،
وما هي إلا أيام قليل حتى طارت بجواز سفرها الإسرائيلي الى فيينا، فالتقت بأسرة موشيه الحزينة، ومكثت بينهم عدة أيام حاولت خلالها أن تتنسم عبير الحبيب المفقود، لكنها أحست بأن عبيره أشد كثافة ووقعاً بأطراف العاصمة.
،،
وفي الشقة التي شهدت أروع ذكرياتها، أطلقت شهقات حزنها ولوعتها وحيدة تلثم المقاعد والستائر والوسائد، وتطوف بين حجراتها تنادي موشيه وتتحسس كتبه واسطواناته وأحذيته.
،،
مجنونة تلك المرأة الملتاعة، التي لفظتها أرجوحة الثمالة الى جب الهاوية، فدوت صرخاتها تتردد في الأعماق لهفى الى الضياء والأمان المفقود، ويبث الصدى في شقوقه ألم الإنسان وظلمه لنفسه.
،،
،،
وبصعوبة شديدة، استطاعت سارة إقناعها بأن تغادر الشقة،
وحملت أمينة حقائب حزنها وتوجهت الى المطار. وبجواز سفرها الأردني
طارت على أول رحلة الى بيروت.
،،
وفي شارع الحمراء – أشهر شوارع بيروت - نزلت بأحد الفنادق. وفي رحلة تجوالها تعرفت على سيدة لبنانية - أردنية الأصل - تدعى خديجة زهران، تمتلك وتدير محلاً للملابس الجاهزة، فاشترت منها ملابس بمبلغ كبير لتتقرب إليها، ودلتها خديجة على شقة صغيرة بحي عين الرمانة ..
ومنها انطلقت للبحث عن زوجها، وتسقط أخباره من الفلسطينيين
ذوي الكثافة بالحي.
،،
وبعد رحلات عديدة بين بيروت ودمشق، فشلت أمينة في الوصول الى ما يطمئنها، وتأكد لديها أن موشيه قتل لا محالة. فغادرت بيروت الى فيينا
تنخر بعقلها أحزان تقترب بها الى حافة الجنون، وتخنقها عبرات
الأسى والغربة، والفزع.

تابعوا ماتبقى من الجزء الثاني
قريباً ..بإذن الله ...

،،
في المصيدة :
في شقتها بـ فيينا، أيقظها اتصال هاتفي من تل أبيب، وفي اليوم التالي استقبلت ثلاثة رجال عرفت منهم أنهم ضباط صهاينة، مهمتهم إنهاء إجراءات الإرث الخاص بها، دون إثارة مشاكل مع أسرة زوجها أو الجهات الرسمية
سواء في النمسا، أو في الوطن السليب.
،،
كان ميراثها وحدها مع التعويض يربو على نصف مليون دولار،
مع الشقة الرائعة في ريشون لتسيون، وضمانات حماية وأمن فوق العادة.
لقد كان المطلوب منها أن تتعاون معهم لقاء ذلك، وتنفذ ما سيطلب منها بلا تردد.

فبقياسات المخابرات، تعد أمينة كنزاً ثميناً لا يقدر بمال. فهي إمراة عربية فقدت وطنها وأهلها، وتعيش في وضع نفسي سيء مليء بالخوف
ولا مأوى لها سوى عندهم.
،،
لكل تلك العوامل كان لا بد من استغلالها واستقطابها، بقليل من بث الكراهية في نفسها لهؤلاء العرب الذين قتلوا زوجها وقد كان يمثل لها الأمن والحماية، وبالضرورة هي بحاجة ماسة الى الأمن والحماية من بعده.
،،
لقد كانت رؤيتهم على صواب، فأمينة التي تحمل الجنسية الأردنية، والنمساوية والصهيونية، لم تكن بحاجة الى كل هذا التخطيط والتمويه لجرها الى عش الجاسوسية، والعمل لصالح الموساد ضد وعروبتها وشعبها.
،،
إنها غارقة في الضعف، واليأس، والضياع. بعدما باعت الدين والوطن
فهي لا تملك أثمن منهم لتبيعه.
،،
يقول الكاتب الأديب محمد حسين الألفي :
(هناك دراسات علمية أجريت مؤخراً، كشفت عن نتائج سوف تقلب تفكيرنا رأساً على عقب، فقد ظهر أن الخيانة في الدم، بمعنى : أن الناس يولدون والخيانة في دمهم . . أحد مكونات الدم )
،،
ومنذ البداية – لم تعر أمينة للشرف انتباهاً،
إذ خلعت ثوب الشرق المحتشم، واستبدلته بغلالة الغرب عن طوع
ورغبة نازفة دماء عروبتها، وعقيدتها، وعفتها.
،،

لذا لم يكن من الصعب على الضباط الثلاثة إخضاعها، مستغلين
ضعفها الإنساني ووحشتها، عازفين على أوتار كراهيتها للعرب،
وللفلسطينيين على وجه الخصوص.
،،
إن الجاسوسية في عُرف أجهزة المخابرات لا تقر بمبدأ الرحمة،
ولا تستجيب بأي حال لنداءات الضمير. إنه عالم عجيب مثير، يفتقد العواطف، ولا تصنف المشاعر تحت سمائه.
،،
وفي دهاليزه المظلمة الغامضة، توجد هناك دائماً مساحة ضيقة من الطموح والجنون، وبقدر ما لدى الإنسان من رغبة محمومة في تحقيق أحلامه، وتوهماته،تعميه الحقيقة المرة أحياناً عن معالم الطريق
ويتحول لمخلوق مبصر يتحسس الخطى دونما توقع لنواميس القدر.
،،
فالنفس البشرية ما تزال تمثل لغزاً محيراً
عجزت العقول عن تفسير بعض جوانبه، ولذلك، لا نندهش أمام تقلبات البشر، وجنوح العقول، وانحرافات الأمزجة والسلوك.
تلك هي النفس البشرية ، لغز الألغاز، سرها لا يعلمه إلا خالقها سبحانه وتعالى.
،،
هكذا سقطت أمينة في مصيدة الجاسوسية، وأسلمت قيادها للضباط الثلاثة، الذين أقاموا لها دورة تدريبية مكثفة استغرقت شهراً وأربعة أيام في شقتها بـ فيينا،
تعلمت أثناءها أساليب التجسس المختلفة من تصوير، وتشفير، وتلقط الأخبار، وكيفية الالتزام بالحس الأمني، والتمييز بين الأسلحة.
دربوها أيضاً على كيفية تحميض الأفلام، والهرب من المراقبة واستخدام المسدس.
،،
واستقدموا لها خبيراً في تقوية الذاكرة، وتخزين المعلومات والأرقام دون نسيانها. فكانوا يعرضون عليها مشهداً من فيلم سينمائي،
ويطلبون منها الإجابة:
كم طبقاً كان على المائدة؟
ما لون ستائر الشباك؟ كم لمبة بالنجفة؟
كم عدد درجات السلم؟
،،
أجادت دورتها الأولى في التجسس، وأصبحت أكثر إصراراً على الانتقام والتحدي، وعمل المستحيل للثأر لزوجها الذي فقد بالقرب من الجولان – والجنوب اللبناني، إنها تريد تأكيد حبها لموشيه، من خلال حبها للعمل
مع الصهاينة ضد العرب.
ولم تعد تزعجها كثيراً هلاوس الليل عندما تحلم به يسعى في الجبال ممزق الثياب، كث اللحية، زائغ العينين، يناديها أن تنقذه.
وكثيراً ما ترى جسده ممزقاً في قطع صغيرة، تلتهمها فئران الخلاء.
،،
غادرت فيينا الى بيروت هذه المرة . . لا للبحث عن زوجها، وإنما للانتقام له، مهمتها المحددة تقصي أخبار رجال المنظمات الفلسطينية، ورجال المقاومة الذين يؤرقون أمن الصهاينة، ويحيلون ليلها الى نهار لشدة القصف والتفجيرات الفدائية.
،،
كانت أيضاً مكلفة بالتحري عن مراكز إقامة قادة المقاومة، والطرق التي يسلكها الفدائيون للتسلل الى الأرض المحتلة، أيضاً - التغلغل داخلهم لمعرفة أعداد الفدائيين، وتدريبهم، وتسليحهم.
ومدى مهارتهم في التخفي والمناورة، ومخازن الأسلحة والإعاشة ,,, الخ


،،
انتهى
الفصل الثاني


__________________________________________________ __________
الفصل الثالث :
وليمة فسق :

في بيروت، استأجرت شقة بإحدى بنايات الروشة، أجمل مناطق بيروت، حيث ترى الشاطئ المتعرج برماله البيضاء التي يتقاذفها البحر على ضفاف اليابسة، وهو المشهد الذي وصفه الشاعر الفرنسي "لامارتين" بقوله:
" إن الطبيعة هنا .. بل كل شيء حولي أسمى من الخيال. لقد حلمت بجنة عدن
لا . . بل لقد رأيتها "
،،
من شرفة شقتها كان أمامها البحر اللانهائي، وبقعتان من الصخور القاسية، هما صخور الروشة الشهيرة التي تكسر تلك اللوحة الناعمة وتزيدها جمالا
وعلى بعد خطوات منها يقع مقهى الدولشي فيتا أشهر مقاهي بيروت، حيث المكان المفضل للفنانين والمثقفين وأيضاً الجواسيس والسياح.
،،
كان الشيء الوحيد الذي يضايقها، هو انقطاع الحرارة عن التليفون. لذلك . . زارت صديقتها الأردنية خديجة زهران، وطلبت منها المساعدة.
،،
في الحال اتصلت خديجة بمانويل عساف موظف التليفونات، الذي ذهب بنفسه الى أمينة في اليوم التالي، ليؤكد لها أن المنطقة تعاني من بعض الأعطال بسبب تجديدات بالشبكة، ووعدها بأنه سيسعى في القريب للتوصل الى حل.
،،
منحته خمسين ليرة ليهتم بالأمر، ولكي لا ينسى . . منحته جسدها أيضاً.
إذ وجدت فيه صيداً سهلاً تستطيع من خلاله التوصل لتليفونات
وعناوين القادة الفلسطينيين.
،،
لم تندم عندما باعت الدين والوطن والأهل. فلم تجد غضاضة وهي تبيع نفسها لمانويل، الذي خر مستسلماً أمام امرأة شابة بعينيها نداءات جوع،
تفوح من جسدها رائحة الأنوثة والرغبة؟
،،
لقد شلت إرادته وأذهبت بعريها عقله، وحاصرته فلم يعد يملك حيلة للفرار.
وأقبل عليها في شراهة ونهم، باعتقاده أنه أوقع بامرأة ظمأى. .
بينما تصرفت هي كجاسوسة محترفة، بين أحضانه بدت في أقصى حالات الضعف، لكنها كانت أبعد ما تكون عن الإحساس بالمتعة.
،،
هكذا تفعل النساء في عالم المخابرات والجاسوسية . .
فالجنس عندهن وسيلة فقط لا هدف
وابتلع الأبله الطعم ؟
،،
ولكن صدمت أمينة بشدة عندما تبين لها أن مانويل لا يملك ما تريده،
فهو مجرد موظف صغير لا يملك قراراً.
فلم يتملكها الإحساس بالندم أو الحسرة، بل أقنعت نفسها بأنها
فشلت في تجربة أولى . . وحتماً ستنجح في مرات مقبلة.
،،
حاول مانويل عساف الوفاء بوعده لتتوطد علاقته بالمرأة النارية، فلم يستطع
لأن رئيسه في العمل – مارون الحايك – بيده كل شيء .
لذلك . . صارحه بما حدث، واصطحبه الى شقة أمينة.
،،
كان الحايك متعدد العلاقات النسائية، يسعى خلف نزواته ومغامراته،
منشغل بالتجسس على المحادثات التليفونية بين نساء المدينة، تستهويه لعبة المطاردة والبحث عن صيد جديد.
،،
وبغريزة الأنثى التي لا تخيب، أيقنت أمينة ما بنفسه، واثقة من كنز معلوماته
عن الزعماء الفلسطينيين في بيروت.
لذلك تركته بتناول معها وليمة فسق أتخمته، وأحاطت عقله بسياج من غباء.
،،
وبينما الجسد المتنهد ساكناً . . أجاب عن أسئلتها . .
وأطلعها – بعد عدة ولائم – على التليفونات السرية للمنظمات الفلسطينية، ولزعماء الجبهات وعناوين إقامتهم بحي الريحانة الشهير.
،،
وبواسطة صندوق بريد ميت، صبت أمينة كل ما تفوه به مارون في خطاب من عدة صفحات، تسلمه عملاء الموساد في بيروت. لتجيئها الأوامر
بعد ذلك بالتحرك دون انتظار.
فالمطلوب منها هو الحصول على القوائم السرية لرجال
المخابرات الفلسطينية "رصد" في أوروبا وصفاتهم.
،،
ولن يتاح لها ذلك إلا من خلال مكتب منظمة التحرير– مكتب عرفات شخصياً، أو مكتب رئيس جهاز المخابرات علي حسن سلامة المطارد في كل مكان في العالم، والذي أطلقت عليه الشمطاء جولدا مائير لقب "الأمير الأحمر"
لأنه بطل عملية ميونيخ التي قتل فيها أحد عشر رياضيا صهيونيا.
،،
الأمير الأحمر:

كانت الحياة ببيروت في ذلك الوقت يونيو 1973 لها مذاق رائع.
تماماً كالأطعمة المتنوعة من كل أنحاء الدنيا .
،،

ومع عطلة نهاية الأسبوع . . تزهو أجمل فتيات لبنان داخل الفنادق والأندية، يرتدين البكيني اللاصق، ويتلون بتدله تحت أشعة الشمس حول حمامات السباحة، أو يلعبن الجولف والتنس، ويرقصن الديسكو ويشتركن في مسابقات الجمال.
،،
وسط جو كهذا يموج بالمرح والحسن والشباب، اعتاد علي حسن سلامة
أن يعيش بعض أوقاته، يرافقه أحياناً فتحي عرفات "شقيق ياسر عرفات" . . رئيس جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني.
،،
ولما اختيرت جورجينا رزق ملكة جمال الكون، اختطفها سلامة وتزوجا في حدث أكثر من رائع، مما جعله مطاردا دائماً من فتيات لبنان.لكنه
كان مشبعاً بكل جمال الدنيا بين يديه.
،،
ولأن المخابرات الصهيونية كانت تجهل صورته أو ملامحه، وفشلت كثيراً في اقتفاء أثره لاغتياله، خاصة بعد عملية ميونيخ بالذات، فقد كان المطلوب
من أمينة المفتي التسلل الى مخبئه، والحصول على قوائم بأسماء
قيادات وعملاء المخابرات الفلسطينية في أوروبا.
،،
فقد كان علي حسن سلامة – الأمير الأحمر كما أطلقت عليه الحيزبون جولدا مائير، أحد مساعدي عرفات والمختص بحراسته.
،،
ثم أوكل إليه عرفات مباشرة بمهمة جديدة، وهي رئيس الأمن والمخابرات التابعة لمنظمة فتح وقوات الحرس الداخلي التي يطلق عليها - القوة 17 –
وهي القوة التي أطلق عليها عرفات اسم "المنتمين الى قيصر روما القديمة".
،،
والحصول على القوائم السرية للقيادات الفلسطينية والأعضاء البارزين في المنظمات في أوروبا، أمر هام جداً ومطلوب لتفكيك أوصال القيادة في بيروت، وعزلها عن الآخرين في كل قارات العالم.
وفي هذا إجابة عن سؤال: لماذا السطو على أوراقه بدلاً من اغتياله؟
،،
هكذا كانت مهمة أمينة المفتي في بيروت . . مهمة حساسة للغاية . .
لو استطاعت القيام بها فكل ميادين إسرائيل لا تكفي لوضع تماثيلها. وفي لقاء حميم بشقتها مع مارون الحايك، سألته عن عرفات وأبو إياد والغمري وغيرهم،
فأجاب بأنه يعرفهم جيداً، ولأيام طويلة ظلت تمنحه جسدها، وتنفق عليه بسخاء عندما أكد لها أنه يعرف علي حسن سلامة، بل والفندق الذي يرتاده.
فاصطحبته مراراً لفندق كورال بيتش "شاطئ المرجان" ليدلها عليه. لكن الأيام تمر والحايك يستمتع بجسدها وبأموالها دون أن يظهر لسلامة أثر.
،،
تملكها يأس قاتم لفشلها، وفكرت كثيراً في مغادرة بيروت الى تل أبيب تتوجها الخيبة. لكن طرأت بخيالها فكرة جديدة عملت على تنفيذها بأسرع وقت.
إذ انتقلت الى شقة أخرى بكورنيش المزرعة .
وهي منطقة شعبية يرتادها التجار من قاطني المخيمات الفلسطينية في بيروت.
،،
وللوهلة الأولى . .
أحست بتفاؤل كبير، بعدما تعرفت على ممرضة فلسطينية تدعى شميسة، تعمل بعيادة "صامد" بمخيم صبرا. فقدمتها شميسة، الى مدير العيادة
الذي أوضح لها أن العديد من الأطباء من كل دول العالم
يشاركون في علاج الفلسطينيين كمتطوعين.
،،
فعرضت عليه خدماتها التطوعية، وأطلعته على شهاداتها المزورة فطلب منها الانتظار لعدة أيام ريثما يخبر رؤساءه.
هؤلاء المتطوعون في شتى المؤسسات الفلسطينية، يقابلهم ياسر عرفات، ويستعرض معهم المخيمات وملاجئ الأيتام، والمؤسسات الصحية
والهلال الأحمر، وأقسام الأجهزة التعويضية والعلاج الطبيعي
والمعامل المركزية وبنك الدم. من هنا ..
،،
صادفت أمينة المفتي فرصة ذهبية للامتزاج بالفلسطينيين، وبدأت
مرحلة العمل التجسسي الأوسع.
،،
مساء 22 يوليو 1973 . .
دق جرس التليفون بشقة أمينة المفتي
وكان على الطرف الآخر مارون الحايك، الذي اسر إليها ببضع كلمات ألجمتها، فوضعت السماعة في توتر وأسرعت تفتح التليفزيون.
،،
لقد صدمها المذيع وهو يعلن نبأ اعتقال ستة من رجال الموساد
في أوسلو، بينهم امرأة، بتهمة قتل جرسون مغربي بالرصاص في ليلها مر،
ظنوا أنه الفلسطيني علي حسن سلامة.
،،
وقد اعترف المعتقلون بأنهم ينتمون الى الموساد، ويشكلون فيما بينهم فريقاً للقتل اسمه K IDON - الرمح – وجاءوا خصيصاً من إسرائيل لتعقب سلامة واغتياله. ارتجت أمينة وتملكها الهلع على مصيرها.
وتساءلت: لماذا يتعقبون سلامة لاغتياله. بينما طلبوا منها خلاف ذلك؟
،،
كانت اللعبة أكبر بكثير من تفكيرها. فأمور السياسة والمخابرات تتشكل وفقاً لمعايير أخرى . . وحسابات معقدة.
ولأول مرة منذ فقدت زوجها موشيه، تشعر برغبة أكيدة في الاستمتاع بالحياة .. وحاجاتها الى مذاقات النشوة التي افتقدتها.
،،
وأسرعت في اليوم التالي، برفقة مارون الى فندق الكورال بيتش، متلهفة الى الالتقاء بسلامة. ولكم أخذتها المفاجأة عندما أشار صديقها ناحية حوض السباحة قائلاً لها: أنظري . . إنه علي حسن سلامة...
،،
كان حمام السباحة كبيراً، على شكل حدوة الحصان، يحيط به مبنى أبيض اللون مكون من ثلاثة طوابق، تطل كل غرفه الخمس والتسعين على الحمام.
،،
ويفضل سلامة هذا الفندق لأنه مؤمن جيداً ويكشف المخاطر الأمنية التي قد يتعرض لها. ومن الأمور العادية أن توجد ثلاث سيارات عسكرية
حول الفندق لحماية الأمير الأحمر. حيث يقوم حراسه بتأمين موقف السيارات ومداخل الفندق وحدائقه.
،،
أما في الحجرة المطلة على حمام السباحة وهي بالدور الأرضي، فيكون سلامة دائماً بمفرده، يحمل مسدسه الاتوماتيكي المحشو، ولا يتغافل عنه أبدا.
،،
كان سلامة في ذلك الوقت في الثالثة والثلاثين من عمره، رياضي . . وسيم .. أنيق. يصادق جورجينا رزق ملكة جمال الكون.
وفي فتاة عمرها واحد وعشرون عاماً، تنحدر من مؤسسة المال المسيحية في بيروت لأب لبناني وأم مجرية. انتخبت في السادسة عشرة ملكة جمال لبنان.
وبعدها بعامين ملكة جمال العالم. وكانت الوحيدة من بلاد العرب التي دخلت مسابقة "ميامي بيتش". وهكذا أصبحت جورجينا رزق أشهر امرأة
في العالم، يحلم بها كل الرجال.
،،
وكان الجميع يريد التعرف على الفتاة ذات الشعر الأسود الطويل، والعيون الخضراء، والفم الكبير، والجسد الأسطوري. حتى "جيمي كارتر" - حاكم ولاية جورجينا وقبل أن يصبح رئيساً . .
تحققت أمنيته وظهرت صورة له مع ملكة الكون وهي ترتدي فستان السهرة الأسود العاري الأكتاف والصدر.
،،
لقد انشغلت جورجينا رزق بالفتى الوسيم ذو الجسد الرياضي. وانشغل بها هو أيضا.. وبرغم زواجهما إلا أنه لم يمانع من اختبار رجولته التي
لا تقاوم مع نساء أخريات.
،،
وها هي أمينة داود المفتي تقف أمامه . . ووجها لوجه بشكل لم يكن متوقعاً . . وحيث رتبت الموائد حول الحوض تحت المظلات الشمسية، جلست تراقب سلامة بحذر وهو يستحم، وعلى مقربة منه وقف رجلان من حراسه
تنتفخ أجنابهما بالسلاح.
،،
رسمت أمينة صورته في خيالها، وداومت على زيارة الكورال بيتش مرتان أسبوعياً بشكل منتظم. وكانت كثيراً ما تلتقي بسلامة الذي اعتاد رؤيتها. . وابتسامتها.. وجمالها البسيط الهادئ.
،،
وذات مرة . . وصل سلامة الى الفندق. . واتجه الى الداخل حيث حجرته، لكنه عرج فجأة الى مائدة أمينة، وانحنى على ظهر المقعد المواجه في أدب
وسألها عدة أسئلة. . ثم سحب المقعد وجلس قبالتها لأكثر من نصف الساعة ..
،،



،،
تقول أمينة في مذكراتها التي نشرت بعد ذلك:

" في ذلك اليوم الحار من سبتمبر 1973، تشوقت لترطيب جسدي
في حوض السباحة بكورال بيتش، وبينما كنت أرفع كوب الماء البارد الى فمي، رأيته أمامي . . إنه سلامة.. سرت رعشة متدفقة بأوصالي عندما
جاء الى مائدتي محيّياً.
،،
وبدأ بأن عرفني بنفسه على أنه رجل أعمال فلسطيني، ثم سألني عن نفسي وجلس الى مائدتي بعدما اكتشف أنني طبيبة أردنية متطوعة
ومنذ ذلك اليوم لازلت أذكر رعشة اللقاء . .
وحديثه الرائع الذي جذبني إليه بكل كياني ومشاعري"


،،
انتهى
الفصل الثالث



وكانت بذلك أول جاسوس للموساد يعمل بجرأة أسطورية داخل بلد عربي.
لم يفعلها إيلي كوهين ( ثابت ) الذي زرع في سوريا قبلها بسنوات قليلة، وكان مرشحاً لمنصب نائب رئيس الجمهورية السورية، برغم تجواله
بين شتى الوحدات العسكرية والقواعد السرية في الجولان، وإقامته المطولة بمنطقة الجبهة، بل إنه برغم حجم الثقة في نفسه، لم يحمل أبداً
جهاز اللاسلكي خارج المنزل.
،،
كان فقط يبث رسائله بشكل يومي الى الموساد. لم يفعلها أيضاً المقدم فاروق ابراهيم الفقي، ضابط المخابرات العسكري المصري الذي
جندته هبة سليم، وتسبب في تدمير كل قاعدة عسكرية جديدة
كان يتم بناؤها بمنطقة القناة،
إذ كان يحتفظ بجهاز اللاسلكي بمنزله، ويبث للموساد أولاً بأول عن
مواقع الصواريخ والرادارات، والمطارات، لم تفعلها انشراح التي أنقذها السادات من الإعدام أيام كامب دايفيد، وكانت تجوب منطقة القناة مع زوجها
وأولادها كل يوم بحثاً عن الجديد.
كانت أمينة المفتي أجرأهم جميعاً قلباً وأعصاباً... مدفوعة برغبة
مجنونة في الانتقام والثأر، لا برغبة المغامرة.
،،
تقول أمينة في مذكراتها التي بلغت صفحاتها ستمائة صفحة:

( منذ حملت معي جهاز اللاسلكي لأول مرة الى الجنوب، وشاهدت بنفسي هجوم الميراج على الموقع الفلسطيني، بغرض تدميره وتصفية أبو إياد وأعوانه،
وقد تملكني إحساس رائع بعملي. . إحساس بالزهو وجدت فيه
لذة كبرى تفوق كل لذة.
ومنذ تلك الحادثة في 11 أكتوبر 1973، وأنا أحمل الجهاز الصغير بحقيبتي، بجواره المصحف ذي الجراب والشفرة.
،،
كنت أكتب رسالتي أولاً على ورقة منزوعة من بلوك نوت، ثم أقف بسيارتي في مكان أطمئن فيه من العابرين، وأسحب هوائي الجهاز
وأقوم بالبث لدقائق.
أحياناً كثيرة كنت أبث الرسالة الواحدة مرتين للتأكيد، وأحرق الورقة وأعاود القيادة الى مكان آخر. وبفضل تصريح المرور الموثق، الذي وقعه
عرفات شخصياً، كنت أجوب بأمان شتى المواقع العسكرية الفلسطينية في الجنوب.
وأطلع بنفسي على أنواع الأسلحة وكميات الذخائر
بالمخازن، ومعسكرات التدريب السرية.
،،
لقد حالفني الحظ كثيراً عندما وثق بي القادة الفلسطينيون، لأنني كنت أبدو
متحمسة جداً لقضيتهم، وحقهم في الكفاح لاسترداد الأرض المغتصبة.
للدرجة التي دعت أبو إياد لأن يطلب مني إلقاء خطبة حماسية في الجنود المعسكرين بالقرب من مخيم البرج الشمالي في الجنوب من صور.
،،
يومئذ . . ألقيت خطبة رائعة . . تتدفق منها الوطنية ومعاني العروبة.
لقد أجدت تماماً عندما صعّدت من انفعالي فبكيت .. بكيت
وأنا أصف مشاهد القتل والقصف والانكسار على وجوه الأطفال اليتامى، بكيت حقيقة وأنا أحثهم على الانتقام والثأر والكفاح . .
،،
وما كنت أبكي إلا لفقد موشيه الحبيب . . وبرودة الحياة من حولي بدونه.
والثورة المصطحبة بالغضب في أوردتي وشراييني. . ونبضي . .
ضد هؤلاء الأوغاد الذين أذلوني . . وأترعوني كئوس الوحدة . .
والصمت . . والعدم .
،،
كان انفعالي مثالياً، ظن الجنود والقادة أنه
إيمان مني بقضيتهم . . فبكوا . . وعندما بحثت عن منديل بحقيبتي
اصطدمت يدي بجهاز اللاسلكي المغلق..!!


،،
انتهى
الفصل الخامس