عنوان الموضوع : القواعد والضوابط الفقهيّة المؤثرة في أحكام العمل الطبي اسلاميات
مقدم من طرف منتديات الشامل



القواعد والضوابط الفقهيّة
المؤثرة في أحكام العمل الطبي




إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده ولا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم . أما بعد:
فهذه ورقة علمية مقدمة لمؤتمر : تطبيق القواعد الفقهيّة على المسائل الطبيّة ويتضمن جمعًا لمجلة من القواعد والضوابط الفقهية المؤثرة في أحكام العمل الطبي، أو استند عليها في إصدار قرارات أو فتاوى حولها.
وقد جمعت في هذه الورقة ثلاثةً وثلاثين قاعدة وضابطًا أصليًا وأشرت في ثنايا كلامي حولها، لقواعد أخر، ولا شك أنه يمكن استنباط المزيد منها إلا أنّ هذا القدر هو المناسب لوقت المؤتمر وحجم الورقة المقدمة فيه .
وقد كان ترتيب هذه الورقة على النحو التالي:
التمهيد في تعريف القواعد والضوابط الفقهيّة.
المبحث الأول : القواعد الخمس الكبرى.
المبحث الثاني : القواعد والضوابط المتعلّقة بحكم التداوي وآدابه وضوابطه.
المبحث الثالث : القواعد والضوابط المتعلّقة بابتداء الحياة ونهايتها.
المبحث الرابع : القواعد والضوابط المتعلّقة بالمعالجة والجراحة.
والله تعالى الكريم أسأل أن يجعل هذا العمل خالصًا لوجهه الكريم وصلى الله على محمد وآله وسلم.

تمهيد
تعريف القواعد الفقهيّة :
القواعد جمع قاعدة .
والقاعدة في اللغة : الأساس، وقواعد البيت : أسسه(1) قال تعالى "وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت" [البقرة : 127].
وتطلق القاعدة على الأمر الكلي الذي ينطبق على جزئياته(2).
وأما القاعدة الفقهيّة فعرّفت بأنها : أمرٌ كُلّي منطبق على جزئيات موضوعه(3).
كما عرفت بأنها: حكمٌ أكثريّ لا كلي ينطبق على أكثر جزئياته لتعرف أحكامها منه(4).
ومن أحسن تعاريف القاعدة الفقهيّة أنها: قضيّة فقهيّة كلية جزئياتها قضايا كلية(5).
فالقواعد الفقهيّة تختص بأنّها كلية، أي : تتضمن حكمًا شاملاً لفروع كثيرة بحيث لا تتخلف أي جزئية غالبًا.
كما أنّ القواعد تتميز بكونها عامة غير موجهة إلى شخص بذاته ولا لواقعة معينة.
وهي أيضًا مختصة بالأحكام الشرعية التي تتعلق بأعمال المكلفين وتصرفاتهم، ومستندة إلى الأدلة الشرعية.

تعريف الضوابط الفقهيّة :

الضوابط جمع ضابط.
والضابط مأخوذ من الضبط وهو المحافظة واللزوم، والإتقان(6).
وعرفت الضوابط الفقهيّة بأنها: حكم كلي ينطبق على جزئيات(7).
وعلى هذا فلا فرق بين القواعد والضوابط.
ومن أهل العلم من فرق بينهما بأن الضابط يجمع فروعًا وجزئيات من باب واحد، والقاعدة تجمع فروعًا من أبواب شتى(8).
وبناء عليه عرفوا الضوابط الفقهيّة بأنّها: ما اختصّ بباب وقُصِد به نظم صور متشابهة(9).
فمثلاً: قاعدة الأمور بمقاصدها قاعدة كلية تدخل في أبواب كثيرة لتعلقها بمسائل العبادات على أنواعها والمعاملات والإيمان والطلاق وغيرها .
وضابط إذا دبغ الإهاب طَهُر، يمثّل ضابطًا فقهيًّا لكونه يغطي بابًا مخصوصًا في الفقه.

القواعد الفقهيّة الخمس الكبرى

هذه القواعد الفقهية الكبرى هي أمهات القواعد، والفقه الإسلامي – بغض النظر عن قالبه المذهبي – تحكم بُنيته هذه القواعد، فهو منطلق منها، ولذا يكثر أن يذكرها المؤلفون في القواعد الفقهية منفردةً لأهميتها(10)..

وقد جمع الناظم هذه القواعد بقوله:
واعلم بأنَّ الفقه مبناه على *** خمس قواعد إذا ما تُجْتَلى
لا يرفع اليقين شكٌّ، والضرر *** يُنفي، وتجلب المشقّة اليسر
وتحكم العادات حيث لا تجور *** وبالمقاصد تبيّن الأمور

وفي هذا الفصل سنستعرض هذه القواعد لكونها ترجع إليها كل أحكام الفقه، وفروعها لا تنحصر، ولذا سأكتفي بما تيسّر من أمثلتها .

(1) قاعدة: (الأمور بمقاصدها)

- ومعناها: أن الحكم الذي يترتب على أمرٍ يكون على مقتضى المقصود من ذلك الأمر، فأعمال الإنسان إنما تترتب عليها نتائجها وأحكامها الشرعية تبعًا لمقصود الشخص وهدفه من العمل .
- ودليلها قوله صلى الله عليه وسلم : ( إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدينا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى هاجر إليه) (12).
- ومن التطبيقات المتعلّقة بهذه القاعدة:
1- المقصود من إذن المريض للطبيب بإجراء عملٍ طبي، هو رضاه وموافقته عليه، وبناء على ذلك فكل ما يدل على الرضى والموافقة فهو كاف في حصول الإذن؛ لأن كل ما يعبّر عن الإرادة والقصد تعبيرًا جازمًا. يقوم مقام النطق باللسان.
قال ابن تيمية: ( الإذن العرفي في الإباحة أو التمليك أو التصرّف بطريق الوكالة، كالإذن اللفظي، فكل واحد من الوكالة والإباحة ينعقد بما يدل عليها من قولٍ أو فعل، والعلم برضى المستحق يقوم مقام إظهاره للرضى) (13).
ومما يدل على اعتبار الإشارة طريقًا من طرق التعبير عن الإذن الطبي، ما جاء عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت:لددنا رسول الله عليه وسلم فأشار أن لا تلدّوني فقلنا: كراهية المريض للدواء، فلّما أفاق قال: ألم أنهكم أن لا تلدوني ؟ لا يبقى أحدٌ منكم إلاّ لُدَّ ) (14).
ففي هذا الحديث أن الإشارة المفهمة كصريح العبارة في هذه المسألة(15).
2- لا شك أن وظيفة الطب مساعدة المريض على الشفاء من الأسقام التي تعتوره، ولذا فإن الطبيب عند وقوع الخطأ منه يكون ضمانه ماليًا، ولكن لو تعمّد الطبيب الجناية على المريض، بأن قصد قتله، أو قصد القيام بما يفض لهلاكه أو تلف عضو من أعضائه؛ فإنّ حكمه حكم غيره ممن يجنى الجناية العمديّة قال تعالى: "يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى". [البقرة:178].
قال الدسوقي: "وإنّما لم يقتصّ من الجاهل – يعني الطب – لأنّ الغرض أنّه لم يقصد ضررًا، وإنّما قصد نفع العليل أو رجا ذلك. وأمّا لو قصد ضرره فإنّه يقتصّ منه"(16).
3- أباحت الشريعة للطبيب أن يباشر بدن المريض ويعالجه لجلب المصالح المباحة فقط أو دفع المفاسد عنه أمّا خين يكون مقصود الطبيب من الإجراء مخالفًا لذلك فإنه لا يحل له مباشرة بدن المريض، لأنّ جسد الإنسان ملك لله تعالى، ولا يحق لأحدٍ أن يتصرّف في ملك بما يحرّمه مالكه، وذلك مثل العمليات التجميلية المحرمة، مثل التي يقصد بها تشبه الرجال بالنساء، أو تغيير الصورة فرارًا من العدالة ونحو ذلك .

(2) قاعدة: "لا ضرر ولا ضرار"

- ومعناها : أنه لا يجوز الإضرار ابتداءً؛ لأنّ الضرر ظلم والظلم ممنوع، كما لا يجوز مقابله الضرر بمثله فليس لأحد أن يلحق ضررًا بغيره، وإذا وقع الضرر فلابد أن يزال(18).
- ودليلها قوله صلى الله عليه وسلم: (لا ضرر ولا ضرار) (19).
- ومن التطبيقات المتعلّقة بهذه القاعدة :
1- فصل الخلايا البييضة الملقّحة بعد الانقسام الأول أو الثاني، أو ما يليه لقصد استعمالها لإحداث الحمل في فترة الزوجية جائز، وأما حفظ وتجميد الخلايا المأخوذة منها فقد أجازها بعض الفقهاء إذا لم يوجد ضرر من الحفظ أو التجميد واعتمد على إجراءات موثوقة في الحفظ لمنع اختلاط الأنساب(20).
وملحظ الإباحة والتحفظ منع الضرر ورفعه.
2- يجوز أخذ عضو من جسم إنسان حي وزرعه في جسم إنسان آخر مضطر إليه لإنقاذ حياته، أو استعادة وظيفة من وظائف أعضائه الأساسية دفعًا للضرر عنه، بشرط أن لا يضر أخذ العضو من المتبرع به ضررًا يخل بحياته العاديّة؛ لأنّ الضرر لا يزال بالضرر(21).
3- يجب على الزوجين في حال إصابة أحدهما بمرض مُعْدٍ (كنقص المناعة المكتسبة) أن يخبر الآخر عنه، وأن يتعاون معه في إجراءات الوقاية منه كما أن للزوجة طلب الفرقة من زوجها في حال إصابته به.
منعًا للضرر عنها. ولكن حقها في حضانة أولادها لا يسقط بإصابتها به لعدم انتقال ذلك المرض بالحضانة والإرضاع(22).

(3) قاعدة : (( العادة محكّمة ))

- ومعناها : أن العادة والعرف يجعل حَكَمًا فتخضع لها أحكام التصرفات، فتثبت الأحكام على وفق ما تقتضي به العادة أو العرف إذا لم يكن هناك نص شرعي مخالف لتلك العادة .
- ودليلها : قوله تعالى: "وعلى المولود له رزقهنّ وكسوتهن بالمعروف" [البقرة:233].
وقول النبي صلى الله عليه وسلم لهند بنت عتبة: "خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف" (24).
- ومن التطبيقات المتعلّقة بهذه القاعدة:
1- أن تولّد من فعل الطبيب المعتاد الموافق للأصول النظرية والعملية للطب حسب ما تعارف عليه أهل الاختصاص – تلف أو أذى، فإنّ الطبيب لا يضمنه(25).
2- إذن المريض للطبيب بعلاجه، لا يتناول من العلاجات إلا ما جرت به العادة، فإذا كانت العادة أن التدخل الجراحي يحتاج لإذن آخر غير الإذن المطلق بالعلاج، فلابد من أخذ إذن المريض قبل الجراحة، لأن العادة محكمة(26).

(4) قاعدة: "المشقّة تجلب التيسير"

- ومعناها : أنّ الأحكام التي ينشأ عن تطبيقها حرج على المكلف، ومشقّة في نفسه أو ماله فالشريعة تخففها(28).
- ودليلها : قوله تعالى "يريد الله بكم اليسر" [البقرة:185] . وقوله تعالى "وما جعل عليكم في الدين من حرج" [الحج:78] .
- ومن التطبيقات المتعلّقة بهذه القاعدة :
1- الإسلام يرغب في زيادة النسل وتكثيره لأن ذلك يقوي الأمة، ويزيدها منعةً وعزّة، لكن إذا تسبب ذلك في مشقة أو أذى يلحق الزوجين أو أحدهما، فإن لهما أن ينظما النسل طبقًا لما تقضي به الضرورة المتروك تقديرها لهما(29).
2- انكشاف المرأة على غير من يحل شرعًا بينها وبينه الاتصال الجنسي محرم بكل حال، لكن لو احتاجت المرأة إلى العلاج من مرض يضرها فإن هذه المشقّة تجلب لها تيسيرًا يباح لها بموجبه أن تنكشف لغير زوجها للعلاج(30)، ويراعى في ذلك قاعدة: الضرورة تقدر بقدرها.
3- بيع الدم محرم كما نص على ذلك القرآن الكريم، والله تعالى إذا حرّم شيئًا حرّم ثمنه، فإذا احتاج إنسان لنقل الدم إليه، ولم يجد من يتبرع به إلا بعوض جاز له شراء الدم ودفع العوض، ويكون الإثم على الآخذ(31).

(5) قاعدة : "اليقين لا يزول بالشك"

- معناها : إنَّ الشيء المتيقّن ثبوته لا يرتفع إلا بدليل قاطع، ولا يحكم بزواله لمجرّد الشك .
- ودليلها قول النبي صلى الله عليه وسلم إذا وجد أحدكم في بطنه شيئًا فأشكل عليه فلا يخرجنّ حتى يسمع صوتًا أو يجد ريحًا ) (33).
- ومن التطبيقات المتعلّقة بهذه القاعدة :
1- لا يجوز شرعًا الحكم بموت الإنسان – الموت الذي تترتب عليه أحكامه الشرعية بمجرّد تقرير الأطباء أنّه مات دماغيًا حتى يعلم أنّه مات موتًا لا شبهة فيه تتوقف معه حركة القلب والنفس مع ظهور الأمارات الأخرى الدالة على موته يقينًا؛ لأن الأصل حياته فلا يعدل عنه إلا بيقين(34). ومع ذلك يجوز رفع أجهزة الإنعاش إذا تعطّلت جميع وظائف دماغه تعطلاً نهائيًا وقررت لجنة أن هذا التعطّل لا رجعة فيه(35).
2- من اكتملت أعضاء ذكورته أو أنوثتها لا يجوز تحويله إلى النوع الآخر، أما من اجتمعت في أعضائه علامات النساء والرجال فينظر فيه الغالب من حاله، ويعالج طبيًا بما يزيل الاشتباه، سواء كان علاجه بالجراحة أو الهرمونات(36).


القواعد والضوابط المتعلّقة بحكم التداوي وآدابه وضوابطه

1- حق الله وحق العبد - في نفس هذا الأخير وجسمه - يوكلان لمن هو منسوبٌ إليه ثبوتًا وإسقاطًا .
2- لا يجوز لأحدٍ أن يتصرّف في حق غيره بغير إذنه(1).
هاتان القاعدتان تبينان أنه لا يحق لأي إنسان أن يتصرف في جسم إنسان آخر بغير إذنه، لأنّه اعتداء عليه قال تعالى: "ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين". [البقرة:190].
وعن أبي بكرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في خطبته يوم النحر بمنى: ( إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ) (2).
وتقدم حديث لَدّ النبي صلى الله عليه وسلم الذي يدل على أنّ إذن المريض ضروري لإجراء التداوي، فإذا رفض فله الحق في ذلك، ويكون إجباره على التداوي تعديًا(3).
ويستثنى من ذلك حالات الضرورة وسيشار لها .
3- قتل الإنسان أو قطع عضو من أعضائه لا يباح إلا بحق .
4- إسقاط الإنسان لحقه - فيما اجتمع فيه حق الله وحق العبد - مشروط بعد إسقاط حق الله .
وتدل القاعدتان على أن من شروط الإذن الطبي أن يكون المأذون به مشروعًا، فإن كان محرمًا، فإنّه لا يعتبر لهذا الإذن؛ لأنّ الإذن لا يكون دافعًا للمفاسد بل جالبًا لها فينتفي الغرض الذي لأجله أبيح عمل الطبيب .
والمريض له أن يأذن بأن يباشر الطبيب عليه شيئًا محرمًا، فجسد الإنسان ملك لله تعالى، كما قال تعالى: "ولله ملك السماوات والأرض وما فيهن وهو على كل شيء قدير". [المائدة : 120] . ولا يحق لأحدٍ أن يتصرّف في ملك بما يحرمه مالكه .
قال ابن حزم : ( فحرام على كل من أمر بمعصية أن يأتمر بها، فإن فعل فهو فاسق عاص لله تعالى، وليس له لذلك عذر, وكذلك الآمر في نفسه بما لم يبح الله تعالى له فهو عاص لله تعالى فاسق) (4).
وقال ابن القيم : لا يجوز الإقدام على قطع عضوٍ لم يأمر الله ورسوله بقطعه ولا أوجب قطعه، كما لو أذن له في قطع أذنه أو إصبعه؛ فإنّه لا يجوز له ذلك ولا يسقط عنه الإثم بالإذن) (5).
5- يقدّم ما كان فيه حق الله وحق العبد على ما كان فيه حق الله وحده(6).
وبناء على هذه القاعدة يرخّص بتفويت العبادة – وهي حق الله – حفظًا لمهجة العبد أو أطرافه .
وذلك إذا ترتب على مراعاة الأول ضياع الثاني .
ومثله : إباحة أكل النجاسات أو الميتة أو التداوي بها للضرورة إذا لم يوجد طاهر(7).
6- إشارة الأخرس المفهمة كالنطق، أو الإشارة من الأخرس قائمة مقام عبارة الناطق(8).
وقد تقدم أن اللفظ ليس هو الطريق الوحيد لإظهار الإرادة، بل قد يقوم غيره مقامه مما يدل على المراد بشرط أن تكون العبارة مفهومة، عليه فإنه يسوغ له إظهار إذنه أو عدم إذنه بالعلاج بإشارته المفهومة .
7- لا عبرة للدلالة في مقابل التصريح، أو إنّما تعتبر الدلالة إذا لم يوجد التصريح بخلافها(9).
فإنما يستند الطبيب على دلالة مجيء المريض له مثلاً على إذنه بالعلاج إلا إذا لم يصرح له بعدم إذنه له .
8- من عجز عن النظر في مصالحه، نظر فيها وليه(10).
وعليه فإذا كان المريض غير أهل للإذن بالإجراء الطبي – لصغره أو جنونه مثلاً – فإن الإذن يكون من عمل ولي المريض، ولا يلتفت إلى إذن المريض أو عدم لكونه ليس أهلاً للتصرّف لجهله بمصالح نفسه ومضرتها .
قال الشافعي: (ولو جاء رجلٌ بصبيّ ليس بابنه ولا مملوكه وليس له بولي إلى ختان أو طبيب، فقال : اختن هذا .. فتلف كان على عاقلة الطبيب، والختان ديته، وعليه رقبة) (11).
وقال ابن قدامة: (وإن ختن صبيًا بغير إذن وليه، أو قطع سلعة من إنسان بغير إذنه، أو من صبي بغير إذن وليه، فَسَرَت جنايته ضمن؛ لأنّه قطعٌ غير مأذون فيه، وإن فعل ذلك الحاكم، أو من له ولاية عليه، أو فعله من أذنا له، لم يضمن؛ لأنّه مأذون فيه شرعًا) (12).
9- التصرّف على الرعيّة منوط بالمصلحة(13).
فنفاذ تصرّف الولي معلق على المنفعة في تصرّفه فإذا تضمن منفعة وجب تنفيذه وإلاّ رُدَّ وعليه فمتى امتنع الولي عن الإذن بالإجراء الطبي على خلاف مقتضى الغبطة فإن امتناعه ساقط لا عبرة به(14).
ومثال ذلك حالة الحاجة الماسة لنقل الدم مثلاً .
ولو أذن الولي باستقطاع عضو من أعضاء موليه، أو التبرع به، فإن إذنه لا قيمة له لأن الولي إنما يقوم على رعاية مصالح موليه ونقل العضو منه لا ينطوي على أدنى مصلحة له، فنخرج عن حدود الولاية وكذلك يسقط اعتبار إذن الولي في حالات الإسعاف التي تتعرض فيها حياة موليه للخطر(15).
10- من ابتُلي ببليتين فعليه أن يختار أهونهما، أو من دفع إلى شرين فعليه أن يختار أهونهما(16). فمن وقع بين أمرين كلاهما فيه شر – وكان لابد من ارتكاب أحدهما – فعلى المبتلى أن يختار أخفهما وأقلهما شرًا .
ومثال ذلك جواز شق بطن المرأة الميتة الحامل لإخراج الجنين إذا كانت حياته تُرجى؛ كذلك يجوز إجهاض الجنين إذا كان بقاء الحمل فيه خطر مؤكد على حياة الأم(17).
ومثاله أيضًا : أن المرأة إذا استدعى علاجها التكشف فإنها تختار أن يكشف عليها امرأة مسلمة فإن لم يمكن فامرأة غير مسلمة فإن لم يمكن فرجل مسلم لأن كشف الجنس على مثله أهون ، والمسلم مأمون أكثر من غير المسلم(18).
11- لا يقدم أحد في التزاحم على الحقوق إلا بمرجّح(19).
فإذا اجتمع أصحاب حقوق وضاقت عنهم ، فإنّ تقديم بعضهم على بعض لا يكون إلا بسبب يرجح المقدم على غيره، ولا يجوز تقديم أحد منهم بدون مرجّح .
وهذا يراعيه الطبيب عند ازدحام المرضى، وتعددهم فإنه لا يقدم أحدًا إلا بمرجح كسبقه في الحضور، أو خطورة حالته .
وكذلك لو نقصت أجهزة الإنعاش أو غسيل الكلى عن عدد المحتاجين لها فلا يسوغ التحكم في تقديم بعضهم أو مراعاة الهوى أو الرغبة، بل لا يقدم أحد إلا بمرجح شرعي .
12- ما استكتم عليه الإنسان أو دلت القرينة على طلب كتمانه، أو كان من شأنه أن يُكتم فهو سِرٌ إفشاؤه حرام .
وإفشاء السر لا يجوز لأنه من قبيل حفظ العهد، فهو كالوديعة التي يجب حفظها، قال تعالى: "يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون". [الأنفال:27].
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (إذا حَدّث الرجل بالحديث ثم التفت فهي أمانة) (20).
ويتأكد هذا في حق الطبيب؛ لأنّ ثقة المريض في طبيبه هي أساس التعامل بينهما.
قال ابن الحاج: ينبغي أن يكون الطبيب أمينًا على أسرار المريض فلا يطلع أحدًا على ما ذكره المريض؛ إذ أنه لم يأذن له في إطلاع غيره على ذلك(21).
وقال ابن مفلح: كما يحرم تحدثه – يعني غاسل الميت – وتحدّث طبيب وغيرهما بعيب(22).
ويستثنى من ذلك إذا كان الإفشاء للسر أوجب بأن يتضمّن درء مفسدة عامّة أو جلب مصلحة عامّة؛ أو يتضمن ضررًا يلحق بفرد ضررًا أكبر من ضرر صاحب السر(23) والنظر في الترجيح يكون بحسب الاجتهاد المصلحي قال العز بن عبد السلام: الستر على الناس شيمة الأولياء، ويجوز إفشاء السر إذا تضمّن مصلحة أو دفع عن نفسه ما قد يتعرض له من قتل أو عقوبة(24).

القواعد والضوابط الفقهيّة المتعلّقة بابتداء الحياة وانتهائها

1- الأحكام تنبني على العادة الظاهرة، أو البناء على الظاهر واجب ما لم يتبيّن خلافه، أو الحكم يبنى على الظاهر(25).
2- العبرة للغالب الشائع لا للنادر(26).
هذه القواعد تدل على أن الأحكام الشرعيّة إنما تبنى على الظاهر، ولا يسوغ أن تبنى على أمر خفي أو متوهم، كما أن الأحكام إنّما تبنى أيضًا على العادة الغالبة لا الحالات النادرة .
ومن أمثلة هذه القواعد : أن اختيار جنس الجنين وإن كان الأصل فيه التحريم لما يؤديه من اختلال في نسبة التوازن بين الذكور والإناث في المجتمع إلا أنه يجوز اختيار جنس الجنين قبل إرجاع البييضة الملقّحة إلى رحم الأم لدى إجراء التلقيح الصناعي إذا كان سيصاب بأمراض وتشوهات إذا كان من جنس معيّن(27).
وقد سبق أنّ الاجهاض يجوز في حال إذا كان بقاء الحمل في الغالب مؤديًا لموت الأم، وأنّه يجوز رفع أجهزة الإنعاش عن الميت دماغيًا إذا حكم الأطباء – بناء على العادة الغالبة – أن هذا التعطل الدماغي لا رجعة فيه .
وكذلك فإنه يجوز نقل وزراعة الأعضاء من جسم إنسان حي إلى آخر بشروط منها أن يكون نجاح كل من عمليتي النـزع والزرع محققًا في العادة أو غالبًا(28).
3- الاحتياط في باب الحرمة واجب(29).
وهذا الأمر ملحظ لمن حرم الاستنساخ في اللاجنسي البشري(30)، احتياطًا للنسب حيث إن نواة الخليّة الجنسيّة تنسب إلى أبوي صاحب الخليّة، واستنساخ هذه الخليّة يؤدي إلى إيجاد توأم لصاحب الخلية وليس ابنًا له .
وقد نصح مجلس المجمع الفقهي الحريصين على دينهم أن لا يلجأوا إلى ممارسة التلقيح الصناعي احتياطًا من اختلاط النطف واللقائح(31).
ومنع إنشاء بنوك حليب الأمهات راعى في المنع أن إنشاءها يؤدي إلى الاختلاط والريبة فيما احتاط له الإسلام وحافظ عليه(32).
4- لابد لتحصيل المقصد المباح من وسيلة مباحة(33).
وهذه القاعدة في الوسائل أن لا يسلك الإنسان وسيلة محرمة ما دام يجد وسيلة مباحة توصله لمراده، وعليه فإنّ التحكّم المؤقت في الإنجاب بقصد المباعدة بين فترات الحمل، يجوز إذا دعت إليه حاجة بشرط أن تكون الوسيلة المانعة للحمل مباحة(34).
5- هل الحياة المستعارة كالعدم ؟(35)
الحياة المستعارة هي بقيّة الروح التي تبقى فيه قبل موته، هل تجعله في حكم الحي أو الميت ؟ في ذلك خلاف ، ومثال ذلك المقاتل إذا انفذت مقاتله – أي أصابته جروح تؤدي لموته يقينًا – فهل يعتبر شهيدًا فلا يصلى عليه، أو لا فيصلى عليه ؟
6- ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب(36).
الواجبات والمباحات والمحرمات كلها لابد لها من من وسائل ، ووسيلة كل مقصد بحسبه وتأخذ حكمه .
ولذا فإنّه يجوز تشريح جثث الموتى للتحقيق في دعوى جنائية ، أو التحقق من الأمراض التي تحتاج لاتخاذ احتياطات وقائية ولتعلم الطب(37) ولهذا الأخير شروط وقيود مذكورة في موضعها.
والإلزام بالفحص الطبي قبل الزواج من تطبيقات هذه القاعدة بمدلولها الواسع.

القواعد والضوابط الفقهية المتعلّقة بالمعالجة والجراحة

1- الضرورات تبيح المحظورات(38).
فالممنوع في الشرع يباح عند الاضطرار، قال تعالى: "وقد فَصَّل لكم ما حرّم عليكم إلا ما اضطررتم إليه". (الأنعام:119) . وهذه القاعدة من أهم قواعد الشرع، ينبني عليها كثير من الأحكام، وهي أيضًا من دلائل رفع الحرج عن هذه الأمة ومن أوجه التيسير الوارد في هذه الشريعة .
ومن تطبيقات هذه القاعدة :
جواز منع الحمل وتأخيره إذا كان منع الحمل ضرورة محققة ككون المرأة لا تلد ولادة عادية وتضطر لإجراء عملية جراجية لإخراج الولد . وكذلك يجوز للضرورة استئصال القّدرة على الإنجاب في الرجل أو المرأة(39).
ومنها ما تقدم من جواز كشف المرأة للعلاج، وجواز اللجوء إلى التلقيح الصناعي . ونقل الأعضاء عند الاضطرار وجواز التشريح في الحالات المذكورة سابقًا.
ومن تطبيقات القاعدة : جواز زرع أعضاء الجهاز التناسلي التي لا تنقل الصفات الوراثية - ما عدا العورات المغلّظة – للضرورة(40). وجواز استعمال أدوية – تؤخذ عن طريق الفم أو الحقن – مستخرجة من الشيمة للضرورة(41). وجواز شراء الدم إذا لم يوجد من يتبرع به فيحل للمشتري دفع العوض ويكون الإثم على الآخذ(42).
ومنها : أن حالات الإسعاف التي تتعرّض فيها حياة المصاب للخطر لا يتوقف العلاج على الإذن(43).
2- الحاجة تنـزّل منـزلة الضرورة(44).
فالتخفيف التشريعي المذكور في حالات الاضطرار لا يقتصر على الضرورة الملجئة ، بل يشمل الحاجات التي هي دون الضرورة ، فيؤثر هذا الاحتياج في تغيير الحكم ويوجب تخفيفًا يجيز فعل المحظور .
ومن تطبيقات هذه القاعدة :
جواز التحكّم المؤقت في الإنجاب إذا دعت إليه حاجة معتبرة شرعًا(45).
وقد اختار بعض أهل العلم جواز اختيار جنس الجنين للحاجة(46).
3- الضرورة تقدّر بقدرها(47).
فالحكم الثابت لأجل الضرورة إنما يرخص منه القدر الذي تندفع به الضرورة فقط، فإذا زالت الضرورة عاد الحكم إلى ما كان عليه قبلها ونظيرها قاعدة : ما جاز لعذر بطل بزواله(48). وهما قاعدتان مقيدتان لما قبلهما.
ومن تطبيقات هذه القاعدة :
أنّه لا يجوز أن تكشف من العورة إلا بقدر ما تندفع ضرورة العلاج، وجواز معالجة الرجل للمرأة لا يبيح خلوتهما وأن عليه أن يغض طرفه قدر استطاعته، ولا تلجأ المرأة للكشف عند طبيب إلا أن لا يوجد طبيبة متخصصّة مسلمة. وقد سبق الإشارة لذلك.
4- ما حرم أخذه حرم إعطاؤه(49).
5- يسوغ في التبرعات ما لا يسوغ في المعاوضات.
6- ما حرم إمساكه فثمنه حرام(50).
وهذه القواعد إضافة لقاعدة الضرورة المتقدمة كان من تطبيقاتها قرار المجمع الفقهي الإسلامي بمكة حول أخذ العوض عن الدم ونص القرار: ( أما حكم أخذ العوض عن الدم وبعبارة أخرى : بيع الدم، فقد رأى المجلس أنه لا يجوز؛ لأنه من المحرمات المنصوص عليها في القرآن الكريم مع الميتة ولحم الخنـزير، فلا يجوز بيعه وأخذ عوض عنه، وقد صح في الحديث: (إن الله تعالى إذا حرَّم شيئًا حرم ثمنه)، كما صح أنه صلى الله عليه وسلم نهي عن بيع الدم.
ويستثنى من ذلك حالات الضرورة إليه؛ للأغراض الطبية، ولا يوجد من يتبرع به إلا بعوض؛ فإن الضرورات تبيح المحضورات بقدر ما ترفع الضرورة وعندئذٍ يحل للمشتري دفع العوض ويكون الإثم على الآخذ.
ولا مانع من إعطاء المال على سبيل الهبة أو المكافأة تشجيعًا على القيام بهذا العمل الإنساني الخيري؛ لأنه يكون من باب التبرعات لا من باب المعاوضات ).
7- ازدحام المصالح والمفاسد يوجب الترجيح(51).
فالشريعة الإسلامية جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها، وهي ترجح خير الخيرين، وتحصّل أعظم المصلحتين بتفويت أدناهما، وتدفع أعظم المفسدتين باحتمال أدناهما(52).
وهذا الأمر تضمنته عدة قواعد فقهيّة منها : إذا تعارض مفسدتان روعي أعظمها ضررًا بارتكاب أخفهما . ويتحمّل الضرر الخاص لدفع ضرر عام .
فإذا تعارضت المصالح حَصّل الإنسان أعلاها ولو فات أدناها.
وإذا تعارضت المفاسد ارتكب الإنسان أخفها ليدفع أعظمها.
وإذا تعارضت المصالح والفاسد فينظر إلى الراجح والغالب فإن كان الغالب المصلحة لم ينظر للمفسدة اللاحقة وإن كان الغالب المفسدة لم ينظر إلى المصلحة(53).
والله تعالى حرم الخمر والميسر مع أن فيهما منفعة؛ لأن مفسدتهما أكبر، قال تعال: "يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما". [البقرة:219].
وهذا التعارض مع وجوده إلا أن الترجيح والموازنة فيه صعب عسير .
قال ابن تيمية: (وهذا باب واسع جدًا لاسيما في الأزمنة التي نقصت فيها آثار النبوّة وخلافة النبوّة، فإنّ هذه المسائل تكثر فيها وكلما ازداد النقص ازدادت المسائل، ووجود ذلك من أسباب الفتنة بين الأمة، فإنه إذا اختلطت الحسنات بالسيئات ، وقع الاشتباه والتلازم، فأقوام قد ينظرون إلى الحسنات فيرجحون هذا الجانب، وإن تضمّن سيئات عظيمة، وأقوام قد ينظرون إلا السيئات فيرجحون الجانب الآخر وإن ترك حسنات عظيمة، والمتوسطون ينظرون للأمرين، وقد لا يتبيّن لهم أو لأكثرهم مقدار المنفعة والمضرّة، أو يتبيّن لهم ولا يجدون من يعينهم على العمل بالحسنات وترك السيئات، لكن الأهواء قارنت الآراء فينبغي للعالم أن يتدبّر أنواع هذه المسائل) (54).
ولذا فالواجب الاجتهاد في الترجيح واستعمال ما يمكن من الطرق المؤدية إليه، فغن أصاب بعد ذلك، وإلا فقد قام بما عليه.
يقول العز بن عبد السلام: (قد يخفى ترجيح بعض المصالح على بعض، وترجيح بعض المفاسد على بعض، وقد تخفى مساواة بعض المصالح لبعض، ومساواة بعض المفاسد لبعض، فيجب البحث عن ذلك بطرقه الموصلة إليه، والدالة عليه، ومن أصاب ذلك فقد فاز بقصده وعفى عن خطئه رحمة من الله سبحانه ورفقًا بعباده) (55).
ومن تطبيقات هذه القاعدة:
اختلاف الفقهاء في حكم إجراء عمليات تجريف الرحم أو إعطاء أدوية منع العلوق في حالات الاغتصاب والزنا لما فيه من مفاسد تشجيع الفاحشة مع ما يقابله من مفاسد أخرى.
وكذلك المرأة الحامل نتيجة الاغتصاب التي يغلب على الظن أنها ستقتل في بعض المجتمعات فلابد من الموازنة بين العدوان على الجنين وبين قتل الأم والجنين معًا وكذلك لو كان بقاء الجنين مؤديًا لوفاة أمه(56).
ومنها : أنه لا يجوز إجراء أي بحث أو معالجة تتعلّق بمورثات إنسان ما إلاّ بعد إجراء تقويم دقيق للأخطار والفوائد المحتملة المرتبطة بهذه الأنشطة(57).
ولذا أجاز بعض الفقهاء استعمال تقانات الهندسة الوراثية لإدخال جينات أو مواد نوويّة سليمة إلى جسم الإنسان المكتمل المصاب بمرض وراثي، بقصد العلاج من ذلك المرض بضوابط منها أن لا يؤدي إلى ضرر أكثر من النفع(58).
وكذلك القرارات المتعلّقة بالاستنساخ للحيوان والنبات وللبشر بنيت على مراعاة هذه القاعدة، والفتوى بتحريم تجميد الأجنة والاحتفاظ بها، ومنع إنشاء بنوك اللقائح والمني(59).
والفتوى بجواز علاج من اجتمع في أعضائه علامات النساء والرجال بما يؤدي إلى زوال الاشتباه في أمره بمراعاة الغالب من حاله(60).
وجواز نقل الأعضاء مبني في أصله على مراعاة هذه القاعدة كما قصل ذلك الشيخ عبد الرحمن بن سعدي(61).
ومسائل إفشاء السر الخاص بالمريض إذا ترتب على كتمانه مفسدة أعظم ، وجواز التشريح وشق بطن المرأة الميتة لإخراج الحمل الحي - كما تقدم- .
8- تغيّر العين يغيّر حكمها، أو حكم الشيء يدور مع خصائصه(62)، أو الاستحالة تطهّر النجاسات وهذا الضابط محل خلاف، إذ قال بها الحنفيّة والشافعية وبعض الحنابلة بدليل أن عين النجاسة زالت واستحالت فلم يبق بها أثر(63).
قال ابن حزم إذا استحالت صفات عين النجس أو الحرام فبطل عنه الاسم الذي ورد به ذلك الحكم وانتقل إلى اسم آخر، فليس هو ذلك النجس ولا ذلك الحرام، بل قد صار شيئًا آخر ذا حكمٍ آخر.
وقال ابن تيمية: وتنازعوا فيما إذا صارت النجاسة ملحًا أو صارت رمادًا .. والصواب أن ذلك كله طاهر إذ لم يبق شيء من النجاسة لا طعمها ولا لونها ولا ريحها(64).
وبناء على ذلك أفتى المجمع الفقهي الإسلامي بمكة المكرمة عدة فتاوى مستندةً لهذه القاعدة منها:
إباحة التداوي بالهيبارين الجديد ذي الجزيئي المنخفض – والذي يستخلص عادة من أكباد ورئات الحيوانات ومنها الخنـزير – وذلك عند عدم وجود البديل المباح الذي يغني عنه في العلاج إذا كان البديل يطيل أمر العلاج.
- يجوز استعمال الأدوية المشتملة على الكحول بنسب مستهلكة تقتضيها الصناعة الدوائية التي لا بديل عنها .
9- الجواز الشرعي ينافي الضمان .
فإذا فعل الطبيب ما يجوز له فعله فلا يسأل عن الضرر الحادث ولو كان سببًا له؛ لأن المرء لا يؤاخذ على فعلٍ يملك أن يفعله(65).
10- لا يتقيّد عمل الطبيب بشرط السلامة ولا يطلب منه إلا القيام بالمعتاد من العناية، ولا يسأل إلا عن تقصيره فيها(66).
فمتى حصل تقصير من الطبيب فقد يتوجه تضمينه – كما هو قول الجمهور – أما لو كان عمله موافقًا للأصول العلمية والعملية للطب فإنّه إذا ترتب على ذلك تلف نفس أو عضو فإنّ الطبيب لا يضمنه بالاتفاق(67).

الخاتـمة
وبعدُ فهذه العجالة في جمع شيء من أبرز القواعد والضوابط الفقهيّة المؤثرة في أحكام الإجراءات الطبيّة حاولت أن أوجز من خلالها ما يجمع جملة من الأحكام الفقهيّة في هذه الضوابط والقواعد والتي يمكن لمن أراد الاستقصاء أن يجدلها من الفروع والأمثلة والتطبيقات ما يكاد يجمع أحكام العمل الطبي ولعل هذه الورقة العلميّة أن تكون نواة لهذا الجمع.
والله الموفق والهادي لا إله إلا هو والحمد لله أولاً وآخرًا ، وصلى الله وسلم على محمد وآله وصحبه أجمعين .


دمتم بود




>>>>> ردود الأعضـــــــــــــــــــاء على الموضوع <<<<<
==================================

جزاكـ الله الفردوس الأعلى
وكتب الله أجره بموازين حسناتكـ...


__________________________________________________ __________
جزاك اللة خير علي الطرح الرائع
ودي وردي

__________________________________________________ __________
سلمت لنا وسلم إبداعك
وجزآكي الله خيرا على ما تقدمية
تقبلي ودي واحترامي

__________________________________________________ __________


__________________________________________________ __________