عنوان الموضوع : أحقا قد ذهب || وسام || - قصة خليجية
مقدم من طرف منتديات الشامل






عادت بي ذاكرتي إلى ذلك اليوم (( الثلاثاء الخامس من شهر أكتوبر 2017 ))
حصل ذلك عندما كنت في السيارة برفقة والدي في طريقي إلى المدرسة
اتصلت جدتي على والدي وأخبرته أن جدي مريض قال أبي:: أنا الآن بالقرب من مدرسة ابنتي سآتي حالا
أغلق أبي هاتفه وهو يقول "لا حول ولا قوة إلا بالله "
سألته بقلق حاولت أن أخفيه : ماذا هناك ؟؟
قال لي : أبي مريض وسأذهب لأرى ما به لن يكون الأمر خطيرا قد يكون ارتفاعا في ضغط الدم أو السكر لا تشغلي بالك
سكت وأنا أعلم أن أبي قال هذا الكلام ليريح قلبه قبل أن يريحني أنا
نزلت إلى المدرسة وأنا أحاول تناسي الأمر ما المشكلة؟ إن جدي كبير في السن ومريض .. وسبق أن حدث ذلك مرارا قد يكون كما قال أبي فدائما ما يحدث ذلك .. نعم لن يكون الأمر خطيراً إن شاء الله
ذهب والدي إلى منزل جدي بسرعة ..
بقيت في المدرسة وأنا أشعر بالقلق الذي لازمني طيلة هذا الأسبوع يشتد لا أعلم ما سبب هذا القلق
طيف جدي لم يغب عن بالي أبدا لا أعلم لماذا أصبحت أفكر به أكثر من السابق لا يكاد تمر ساعة دون أن أتذكره بها
تذكرت عمي الأكبر والذي ذهب إلى أمريكا الأسبوع الماضي في بعثة عمل تستمر 20 يوما وعاد بعد أربعة أيام ليطمئن على جدي ثم عاد إلى أمريكا لينجز عمله
لم يفعل عمي هذا أبدا إنها أول مرة يعود من عمله كي يطمئن على جدي
تنهدت وأنا أحاول أن أبعد هذه الأفكار من رأسي ..
أرجوا أن لا يحدث مكروه جلست صديقتي بجواري وهي تقول بملل كم أكره مادة النحو
قلت لها بابتسامة :: وهل هناك مادة تحبينها يا عزيزتي
كانت ستقول شيئا ولكن دخول المعلمة قطع حديثنا ..
مرت الساعات وأخيرا حان وقت الخروج
خرجت مسرعة كي لا أتأخر على والدي
ركبت السيارة وأنا أشعر بالتعب وأتمنى لو أستطيع الطيران إلى سريري كان يوما شاقا
لم يكن وجه أبي مطمئن شعرت بالقلق الشديد وبدأت أدعوا في نفسي أن يكون جدي بخير وأن لا يكون قد حصل مكروه
أردت أن أسأله إن كان قد حصل شيء
ولكن والدي امسك بهاتفه النقال واتصل على رجل علمت أنه عمي الأصغر
قال والدي : هل ذهبت إلى أبي أم لا؟؟
قلت في نفسي كيف يذهب إلى جدي وهو معه في نفس المنزل ؟
ولكن حصلت على الإجابة بسرعة لم أتوقعها
أبي :: حسناً .. ما إن يذهب عامل السباكة اذهب إلى أبي حالا وأنا سآتي بعد قليل وحاول أن تقنع محمداً بالذهاب إلى منزله.. فلابد أنه متعب
أنهى والدي مكالمته عندما اقتربنا من المنزل قال لي :: أخبري أمك أنني لن أتناول الغداء في المنزل سأذهب إلى المستشفى
أومأت برأسي موافقة وسألته بسرعة : مابه جدي ؟؟ هل حصل مكروه؟؟
قال لي : كلا انه بخير بإذن الله
قلت : إن كان بخير فلما هو بالمستشفي إذن ؟؟
قال :: ارتفاع في السكر
شعرت أن أبي لا يقول الحقيقة أو أنه لم يقل لي الحقيقة كاملة
نزلت من السيارة وأخبرت أمي بما قاله أبي وذهبت أنا لأبدل ثيابي
ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ
بعد تناول الغداء ذهبت لآخذ قسطا من الراحة استيقظت على دخول وقت صلاة العصر أديت الصلاة و بعد ذلك ذهبت إلى غرفة الجلوس كانت أختي الصغرى موجودة هناك تشاهد التلفاز سألتها عن أبي قالت إنه أتى قبل قليل وذهب لأداء الصلاة
بقيت أشاهد التلفاز معها
عاد أبي من الصلاة سألته عن حال جدي أخبرني أنه على حاله لم يتغير
صدق إحساسي فعلا بأن هناك ما يخفيه أبي
لم أرد أن أكثر عليه يبدو أنه متعب .. سألته إن كان يريد شيئا أخبرني أن أعد له الشاي
أعددته له أخذه أبي وذهب إلى المستشفى مجددا
استيقظت أمي بعد لحظات وسألتني عن أبي أخبرتها بما حدث
سألتها عما يخفيه أبي قالت أن الأطباء قالوا بأن حالة جدك حرجة جدا فارتفاع السكر كان كبيرا جدا فقد وصل إلى 1000
ومازالوا يحاولون أن يخفضوه
- - - - -
وفي وقت المغرب عاد أبي ويبدوا أنه متعب وحزين
سألته أمي عن حال جدي أخبرها بأنه انخفض السكر إلى النسبة الطبيعية ولكن ارتفعت نسبة الأملاح بشكل كبير وهو الآن في غيبوبة وتحت العناية المشددة والأطباء يقولون بأنه إما أن يموت أو أن يبقى في غيبوبة طوال حياته
تجاهلت ما قاله أبي أعلم بأن جدي قوي أجل سيستيقظ من الغيبوبة ويعود كما كان قبل ثلاث سنوات
نعم فدائما كان يخيب ظنون الأطباء فقبل ثلاث سنوات أصيب بجلطة في الدماغ قال الأطباء بأنه لن يعيش بعدها أبدا ولكن جدي قوي واستعاد صحته وأذهل الأطباء الذين ظنوا أن لا أمل في حياته وبعدها بأشهر سقط مغشيا عليه بعد عودته من صلاة الظهر وقال الأطباء أنه ماء على الرئة إن عاش فلن يتمكن من أن يعيش حياته بصورة طبيعية ولكن جدي خرج من المستشفى بعد أسبوعين بكامل صحته ويعيش حياته كما كان لولا أن الأطباء منعوه من الأذان إعلانا بدخول وقت الصلاة .. رغم أن جدي عارض بشدة ولكن أبي وأعمامي استطاعوا إقناعه بصعوبة أنه قد يضر بصحته
نعم جدي لم يستطع أن يمارس ما كان يمارسه منذ خمسون عام " النداء وقت كل صلاة " ولكنه لم يفقد روحه المرحة التي يتمتع بها
استمر على حاله سنة كاملة وفي السنة الثانية أصبح يواجه صعوبة في الحركة لم يعد يقوى على الذهاب إلى المسجد القريب من منزله المسجد الذي كان ينادي فيه للصلاة سنوات عدة .. أصبح كثير النسيان ولكن كان يعرف أبناءه وأحفاده
وفي العام الثالث أصبح ملازما للفراش نسي كل شي أصبح لا يذكر إلا الماضي
لا يعرف من تكون حتى تخبره أنت أنك فلان ابن فلان
أصبح يذكر أناس ذهبوا ولن يعودوا يذكر أشياء قديمة جدا أشياء حصلت قبل أن يكون له أبناء
لم أحب ذكرى هذه السنة لذا حاولت أن أشغل نفسي بشيء آخر
ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ
في اليوم التالي الأربعاء السادس من شهر أكتوبر
لم أكن أرغب في الذهاب إلى المدرسة ولكن أمي أصرت علي أن أذهب بحجة المعدل التراكمي ولا بد أن أحرص على الدروس
ذهبت إلى المدرسة مرت الحصص الأولى سريعة لم نأخذ دروسا اليوم بسبب تغيب كثير من طالبات صفي من أجل النشاط الذي ستقيمه المدرسة في الساحة في الحصص الأخيرة ...
حجة غيابهن حرارة الجو وبقاؤنا في ساحة المدرسة ما يقارب الساعة والنصف ..


عندما حان وقت النشاط جاءت إلينا المراقبة وأمرتنا بالنزول لحضور النشاط نزلت أنا وصديقتي التي لم يحضر غيرها من بين صديقاتي الست ..

وضعت حقيبتي جانبا وقبل جلوسي نادتني معلمتي وقالت لي بأن والدك قد أتى أخرجي الآن وناولتني بطاقة والدي لبست عباءتي وخرجت مسرعة وأنا أشعر بالفرح فلن أحضر هذا النشاط الممل وجدت أبي ينتظرني ركبت السيارة بجواره
سألته عن السبب الذي دعاه ليخرجني من المدرسة قال بأنه لن يستطيع أن يأتي ليخرجني في الوقت المحدد لأنه سيبقى بجوار جدي اليوم ثم ذهبنا لأخذ أمي من مقر عملها
وبعد ذلك عدنا إلى المنزل
ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ
لم أستطع أخذ قسط من الراحة بعد عودتي من المدرسة أشعر بالتعب الشديد ولكن لم أستطع النوم
نهضت من فراشي حين دخل وقت صلاة العصر أديت الصلاة وبقيت أمام شاشة التلفاز استيقظت أمي بعدي أيضا ويبدوا أنها هي الأخرى لم تنم جيدا
حين دخل وقت المغرب أتى أبي والحزن في عينيه بقي معنا قليلا ثم ذهب لمنزل جدي ليرى جدتي كعادته وقت كل مغرب
لم نذهب اليوم كعادتنا كل يوم أربعاء لرؤية أخوالي
بعد صلاة العشاء عاد إلينا أبي وعند الساعة التاسعة طلب من أمي أن تضع العشاء لأنه متعب ويريد أن ينام
تناول العشاء وذهب لينام
بقيت أنا وإخوتي وعند الساعة الحادية عشرة اتصلت خالتي لتطمئن على صحة جدي الذي هو عمها وبمثابة أبيها
خالتي :: كيف صحة عمي الآن أهو بخير ؟؟
أنا :: لا أعلم أرجوا ذلك
خالتي :: كيف لا تعلمين ؟؟ هو جدك أخبريني أرجوك
أنا :: هو الآن في غيبوبة وفي العناية الفائقة
خالتي :: آآه شفاه الله .. هل والدك وأعمامك عنده الآن ؟؟
أنا :: كلا .. منعوا من زيارته ..
خالتي :: أخبريني ما حدث منذ دخوله المستشفى .. أخبرتني أمي اليوم عنه عندما سألتها عن سبب عدم حضوركم .. لو كان الأمر بسيطا لجئتم إلينا ولكن يبدوا أن الأمر خطير لذا لم تأتوا..
أخبرتها ما حدث منذ دخوله إلى المستشفى ..
أنهت مكالمتها بدعوة له بالشفاء
أغلقت منها وكانت الساعة 11:27
كان جدي يحب خالاتي كثيراً وهن كذلك كان يحبهم من شدة حبه لجدي والد أمي رحمه الله
الذي توفي قبل ما يقارب 20عام على ما أظن
كان دائما اسمه على لسان جدي والد أبي حتى بعد أن نسي كل من حوله ولا يعرفهم الا حين يخبروه عن أنفسهم
ذهبت لأخلد إلى النوم فأنا مستيقظة من الساعة 5:15 فجر اليوم
أخذت أختي الصغرى البالغة من العمر 6 سنوات وخلدنا سوية إلى النوم
أيقظتني أمي فجر يوم الخميس وكنت لاحظت تغيرا في صوتها ولكن بسبب النعاس الشديد الذي كنت أشعر به لم أسألها فلم أفكر سوا بالنوم اغتسلت استعدادا لصلاة الفجر رأيت أبي وهو يخرج لأداء الصلاة سمعته يقول لأمي أنه لن يأتي بعد الصلاة سيذهب لينهي بعض الأمور المهمة لم أفهم شيئا ولكن صوت أبي الحزين نبهني إلى أن هناك مكروها قد حصل

أسرعت خلفه سألته ما به ؟
قال: لي لا شيء
أنا : كيف لا شيء ما به صوتك ؟
تذكرت جدي حينها : جدي هل حصل لجدي أمر ما ؟؟
قال :: كلا
وخرج مسرعا
ذهبت لأداء الصلاة أنهيتها وأسرعت إلى أمي كانت نائمة أو لأقل كانت تتظاهر بالنوم
عدت إلى فراشي والأفكار في ذهني ولكن سرعان ما غلبني النعاس

استيقظت في الساعة الثامنة والنصف على الرغم من أنه يوم الخميس وليس من عادتي أن أستيقظ
في هذا الوقت المبكر سمعت صوتاً في غرفة الجلوس خرجت لأرى من هناك وجدت أمي وأخواي
كانت أختي تعيد السؤال على أمي : من هو ؟ بابا عبدالله هو من مات ؟؟
نظرت إلى أمي التي كان وجهها مصفرا وعيناها ممتلئتان بالدموع خفت أن أسألها
نظرت إلى أخي الذي كان ينظر إلى الأمام وكان هو الآخر مصفر الوجه
أحسست بما حدث
نظرت إلى أمي :: ماذا حصل ؟؟ من هو الذي توفي ؟؟
قال أخي وهو يشير بعينه إلى أختي :: والد زوجة خالي
نظرت إليه :: ولكن مضى على وفاته شهر كامل
قالت أختي :: لا بابا عبدالله مات
نظرت لأمي باندهاش نظرت إلي بهدوء لم تكن تريد إخباري وأنا للتو استيقظت أومأت برأسها وهي تبتسم ابتسامة صفراء تحاول تهدئتي بها
توسعت عيناي باندهاش : كيف ؟؟ من هو الذي توفي ؟؟ أمي أرجوك أخبريني ؟؟ هو ليس جدي أليس كذلك؟؟
نظرت إلي بهدوء وقالت :: رحمه الله
وضعت يدي على فمي أحاول كتمان بكائي بعد ذلك رفعت بصري إليها :: تكذبين أليس كذلك ؟؟ أعلم جدي لم يمت أنا أعلم ذلك لا تقولي بأنه مات أنا أعلم أنه حي أعلم ذلك
نظرت إلي بشفقة قالت وهي تحاول تهدئتي بابتسامة اغتصبتها :: رحمه الله قد عانى في حياته والمرض أخذ منه ما أخذ قد تكون رحمة من الله إليه
نظرت إليها بعدم تصديق :: لا أصدق ما تقولي أدرت وجهي عنها نظرت إلى أختي و إلى أخي الذي يبدوا هو الآخر غير مصدق لما تقوله أمي
بكت أختي وصارت تردد :: لماذا مات لماذا؟؟ ولكن سرعان ما هدأت وأخذت تلعب بلعبها
بقيت هادئة غير مصدقة لما يدور حولي أود أن أصدق ما تقوله أمي ولكن لا أستطيع أشعر أنه كذب
وسأذهب إلى منزل جدي وسأراه خرج من المستشفى وعاد كما كان قبل ثلاث سنوات
أعلم أنها أفكار غبية غزت رأسي ولكن لا أريد أن أصدق ذلك لا أستطيع
نظرت إلى أمي :: أين أبي ؟؟
قالت :: قال بأنه سوف يذهب إلى المستشفى ثم إلى منزل جدك
سألتها :: متى سنذهب إلى منزل جدي ؟؟
يبدوا انها استغربت سؤالي هذا وبالذات أنني لم أصدقها حينما أخبرتني بوفاة جدي :: عندما يأتي والدك سنذهب إلى هناك
أومأت برأسي وبعد فترة قصيرة عاد أبي من المستشفى لم أستطع النظر إليه لم أسمع والدي يوما ما وصوته حزين كهذا الحزن
ألقى التحية علينا وبعدها ذهب إلى غرفته تمردت دمعة من عيني حزناً على أبي ولكن سرعان ما مسحتها
ذهبت أمي إليه ثم عادت إلينا وأخبرتنا أن نستعد للذهاب إلى منزل جدي

ذهبت إلى غرفتي وأنا أشعر أنني في حلم وسأستيقظ منه في أي لحظة نظرت إلى ثيابي لم أرتدي يوما ثيابا تدل على الحزن بدلت ثيابي وبعد ذلك سرحت شعري حتى في المدرسة لا أسرح شعري بهذه الطريقة

لبست عباءتي وذهبت لألقي نظرة على أمي وجدتها قد استعدت
طلبت أمي من أبي أن يأخذ أختي الصغرى إلى منزل أخوالي لم ترد أمي أن تزيد عدد الأطفال في منزل جدي
فأبناء أعمامي وعماتي في اجتماعهم تحدث فوضى عارمة بأفعالهم الشقية
بعد ذلك ذهبنا نحن إلى منزل جدي لم نكن نذهب إلى منزل جدي في مثل هذا الوقت المبكر إلا في العيدين
أما في الزيارات العادية تكون وقت العصر أو المغرب
ولم يسبق لنا أن دخلنا هذا المنزل بحزن دائما ما كنا نجتمع والفرح يملأ القلوب
توجهنا إلى الغرفة التي أصبح جدي ملازما لها بعد مرضه لا أعلم ما السر ولكن بعد مرض جدي أصبح يبقى في تلك الغرفة التي بجوار غرفة نومه وفي السنة الأخيرة أصبح ينام فيها
وجدت جدتي تبكي وكذلك عماتي يبكين بشدة وأيضا زوجات أعمامي وبنات أعمامي وعماتي مشيت خلف أمي التي توجهت إلى جدتي سلمت عليها كانت جدتي تحاول التظاهر بالقوة ولكن لا فائدة فدموعها لم تطلب الإذن بعد ذلك سلمت على بقية من كان في تلك الغرفة
جالت عيني في أنحاء الغرفة أين السرير الذي كان هنا ؟؟
أين ذهب ؟؟ لماذا وضعت هذه الأريكة مكانه ؟؟
كان جدي ملازما لذاك الفراش الأبيض ..
الجميع كان يبكي حزنا على فراقه وأنا كنت أبكي حزنا على ما يقولون
كيف يقولون أنه توفي ؟؟ كنت أكذب كل ذلك لا أعلم ما لسبب كل ما أعرفه أنني لا أريد تصديق ما يقولونه
دخل وقت صلاة الظهر ونحن على حالنا لم يتغير شيء سوا فقط أننا قمنا لأداء الصلاة حتى الأماكن لم تتغير كلن يعود إلى مكانه
و قبيل صلاة العصر وصل عمي الأكبر من أمريكا لم أتخيل في يوم من الأيام أن أرى أبي وأعمامي يبكون
كان أصعب موقف يمر علي في حياتي

أسمع أذان المسجد القريب من منزل جدي لم يكن يفصل بينه وبين منزل جدي سوى خطوات
هُيئ إلي أن جدي هو من يرفع الأذان كما كان يفعل قبل ثلاث سنوات رفعت رأسي بسرعة نظرت إلى النافذة التي أرى من خلالها مئذنة المسجد ولكن خابت كل آمالي فلم يكن صوت جدي بل صوت رجل آخر

انتظرت حتى أنهى الأذان وذهبت لأؤدي الصلاة وبعد ذلك عدت إلى نفس المكان الذي كنت فيه ..
أنهى المسجد الصلاة .. أسمع صوت عمي الأكبر يتكلم في مكبر الصوت الموجود في المسجد ليخبر من كان في المسجد بأن جدي قد توفي وسيصلى عليه مغرب هذا اليوم ..
بكى كل من كان في المجلس وبكيت معهم كان الجميع يبكي بهدوء لا أسمع إلا شهقاتهم المتتالية والتي يحاولون كتمانها إضافة إلى دعواتهم لجدي بالرحمة والمغفرة ..
ـ ـ ـ ـ ـ ـ
طيلة وقت انتظار دخول وقت المغرب وشريط الذكريات لم ينقطع تذكرت موقفا حصل لي مع جدي عندما كنت في السادسة من العمر
ذهبنا لأداء العمرة وكان هو وجدتي برفقتنا كانت من أروع السفرات تلك التي يذهب معنا جدي وجدتي بها
كان جدي يقص علينا قصصا كثيرة ويعلق تعليقات مضحكة كان يمتعنا ببساطته
كنا نسعى بين الصفا والمروة حين شعرت بالتعب قلت لأبي أنني تعبت فرد علي أنه سوف يأخذ لنا إحدى العربات لي أنا وأخي الذي يصغرني بعامين ولكن جدي حملني على كتفيه دون أن يعير أبي الذي كان يلح على جدي بأن ينزلني اهتماما حملني إلى أن أنهينا السعي


و كذلك عندما كنا نسكن في منزله كان عمري خمس سنوات
كُسرت الأرجوحة التي اشترها لي أبي حزنت لذلك
استيقظت في الصباح على صوت طرقات قوية أسرعت إلى الخارج لأرى ما مصدر ذلك الصوت وجدت جدي يصلح أرجوحتي ما إن رآني ابتسم لي وهو يردد بعض الأشعار باسمي
ويمازحني قليلا
كم أحبه كان مصدر إعجاب لي
يعجبني التناقض العجيب في شخصيته قوة شخصيته وطيبة قلبه ... كان صريحا لا يخشى في الله لومة لائم ..
كنت أخاف كثيرا من غضبه كان سريع الغضب كما أنه سريع المسامحة ينسى غضبه بسرعة كبيرة
كان كل من عرف جدي أحبه ..
ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ
قبل وقت صلاة المغرب بما يقارب الساعة إلا ربع قالت زوجة عمي : من سيذهب لأداء الصلاة على خالي ؟
قالت اثنتين من عماتي : نحن سنذهب ..
وقلت أنا : سأذهب
وكذلك زوجة عمي الآخر وابنة عمتي وابنة عمي
أما جدتي فلم تستطع الذهاب لشدة تعبها
ركبنا مع السائق الخاص بعمي الأكبر
وصلنا إلى الجامع الكبير بسرعة رغم بعده عن منزل جدي كثيرا
دخلنا الجامع و هناك وجدنا قريبة لنا مع ابنتها شعرت بالرهبة من هذا المكان كانت هذه أول مرة أدخل في هذا الجامع بالتحديد دائما ما أشعر بأن هذا الجامع يدل على فقد شخص محبب لكثرة الناس التي تصلى عليها في هذه الجامع
ها أنا أدخل هذا الجامع لأول مرة لأصلي على شخص محبب إلى قلبي إنه جدي الحبيب
اجتمعت الدموع في عيني أحسست بجدية الموقف نعم فهذه المرأة وابنتها يعزيننا في وفاة جدي
ويوصيننا بالصبر على ما أصابنا بكيت بهدوء شعرت بمن يشد على يدي كانت ابنة عمتي تنظر إلي وهي تحاول أن لا تبكي
نادتني عمتي وطلبت مني الجلوس بينها وبين عمتي الأخرى لا أعلم ما السبب ولكن نفذت ما طلبته مني صلينا ركعتي تحية المسجد
وبقينا في انتظار ارتفاع صوت الحق إعلانا بدخول وقت صلاة المغرب
في أثناء انتظارنا دخل علينا بعض النساء من أقاربنا ألقوا التحية علينا وقدموا التعازي لنا
وما هي إلا دقائق معدودة حتى ارتفع صوت الأذان بكيت بشدة أحسست بأنها حانت ساعة الصفر
لم يبقى إلا دقائق ويوارى جدي بالتراب .. صوت بكائي يشتد ويختلط مع صوت بكاء عمتاي وابنة عمي وابنة عمتي وكذلك زوجات أعمامي لم نعد نقدر على البكاء بهدوء نحاول كتمان أصواتنا ولكن لا فائدة
عمتي عن يميني تبكي بشدة وعمتي الأخرى عن يساري كانت متماسكة أكثر منا كانت تبكي وتردد
(( لا حول ولا قوة إلا بالله رحمك الله يا أبي .. غفر الله لك يا أبي .. أنا لله و إنا إليه راجعون .. ))

أتين خالاتي ليؤدين الصلاة على جدي تقدمن باتجاهنا ألقوا السلام علينا كانت خالتي تشد على كتفي و تهمس في أذني بأن أهدأ فلن يفيد البكاء في شيء
كان الجميع يقول لنا ذلك كل من يلقي التحية علينا يعيد نفس الكلام
ألا يعلمون أن القول أصعب من الفعل ؟؟

ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ


الحمد لله فقد قدم نساء كثر ليؤدين الصلاة اللهم اغفر لجدي وارحمه
أقيمت الصلاة
لا أزال أذكر الآيات التي قرأها قرأ في الركعة الأولى
(وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (116) مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (117)
وفي الركعة الثانية
مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (117)
إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (118) قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (119) لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (120 ))

بعد أن أنهينا الصلاة أعلن الأمام عن وجود جنازة لرجل وأعلن عن مكان الدفن
عدنا جميعا إلى حالة البكاء التي كنا عليها قبل الصلاة بل أشد
أشعر بالألم الذي لازمني منذ أن سمعت الخبر يشتد أكثر أحس أن رأسي يدور
كبر الإمام وقفنا جميعا في صف واحد وكبرنا خلفه
وبعد أن أنهينا الصلاة لم أعد أقدر على الوقوف جلست في مكاني وأنا أبكي أرى الجميع من حولي محاطون بالسواد
أتت ابنة عمي نحوي مسرعة أمسكت بي وساعدتني على الوقوف احتضنتني كانت تبكي على كتفي كما كنت أنا أبكي على كتفها أتت إلينا امرأة لا أعلم من تكون ولكن كانت تردد كلمات تصبرنا بها
خرج الجميع لم يبقى سوانا نحن وعمتي أخت جدي وبناتها
نادتنا زوجة عمي لنخرج
ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ
كان الطريق طويلا جدا في العودة لم يكن بهذا الطول ونحن ذاهبون


عندما دخلنا المنزل
رأتنا عمتي التي لم تستطع الذهاب معنا
بدأت تبكي بشدة احتضنت عمتي الأخرى وهي تبكي بصوت عال رأى الأطفال هذا الموقف أصبحوا يبكون بصوت عالٍ
قبلتٍ رأس جدتي التي كانت تتظاهر بالقوة وبعد ذلك توجهت إلى أمي التي كانت تقف خلفها وهي تبكي أيضاً
توجهت إليها فتحت ذراعيها لي واحتضنتني بقوة كان الجميع يبكي أصبح الصوت عاليا تكلمت جدتي بصوتٍ عال وكأنها تريد أن تكون قوية أمامنا على الرغم من الحزن الذي بان في عينيها :: والدكم يريد الدعاء لا يريدكم أن تبكوا وتوجهت بعد ذلك إلى غرفة الضيوف لاستقبال المعزيات
أمسكت بي أمي وأجلستني في الغرفة التي كنا فيها قبل أن نذهب
لم أعد أستطيع الوقوف من شدة الدوار الذي أصابني أصبت بانخافض في الضغط كثيرا ما يحدث لي ذلك عندما أهمل وجبة الإفطار وأنا اليوم لم أتناول شيئا منذ استيقاضي

بقين معي بنات أعمامي
وكان الصمت سيد الموقف
لم يقطع ذلك السكون سوا صوت الهاتف النقال لابنة عمي
كان شقيقها الأصغر صوت بكائه كان واضحا لي لأنني كنت بالقرب منها بكت هي الأخرى معه
تحدثت معه قليلا
ثم رفعت رأسها لنا وهي تبكي بشدة :: لقد دفن .. جدي الآن تحت الثرى ..
صوت بكائنا ارتفع الكل يبكي بشدة
أتت إلينا جدتي وهي لا تزال متظاهرة بالقوة
لماذا البكاء لن ينفعه فقط أدعوا له
هيا قمن لأداء صلاة العشاء
نفذنا ما أمرتنا به جدتي وبعد ذلك كل واحدة أخذت قرآنا لتقرأه
عاد الهدوء مرة أخرى

بعد دقائق معدودة سمعت صوتا محببا إلى قلبي
رفعت رأسي بسرعة نعم إنها هي أختي التي لم تلدها أمي توأمة روحي كما أحب أن أسميها وكما تحب هي أن تسميني .. ابنة خالتي
أتت إلي بخطوات واسعة احتضنتني وهي تردد على مسامعي كلمات العزاء المعهودة
جلست بجواري وهي تنظر إلي بقلق نطقت بعد ثوانٍٍ :: لم تتناولي شيئا اليوم .. أليس كذلك ؟؟.. وجهك متعب ..
اغتصبت ابتسامتي :: كلا .. هل تتوقعين ذلك وجدتي موجودة .. هي لن تدعنا هكذا .. أنتي تعرفينها ..
نظرت إلي بنظرات عدم التصديق :: واضح جدا ..
بقيت معي وهي تحاول تسليتي لا تريد مني أن أعود إلى أفكاري مجددا كلما أحست بأني أعود إلى عالمي أعادتني إلى الواقع بأي طريقة كانت
كان الناس يتوافدون بكثرة طيلة أيام العزاء الثلاث أناس لم نرهم منذ زمن بعيد أناس لم نكد نعرفهم أتوا ليقدموا لنا التعازي في وفاة والدنا الغالي

شعرت بالأسى على حال جدتي التي تتظاهر بالقوة وهي منذ يحين الليل وينام الجميع تبكي وفاة زوجها وحبيبها الذي عاشت معه على الحلوة والمر ما يقارب 48 عاما


--------
مر على وفاة جدي الآن خمسة أشهر وطيفه لا يكاد يفارقني .. ذكرياته تحاصرني .. صوته العذب وهو يرفع الأذان أسمعه في كل مسجد .. صورته أراها في وجه كل رجل ..

رحمك الله يا جدي وأسكنك فسيح جناته

اللهم اجعل قبره روضة من رياض الجنة ..
اللهم اغفر له وارحمه.. وعافه واعف عنه.. اللهم اغسله بالماء والثلج والبرد.. ونقه من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس..

اللهم ارحم أمواتنا وأموات المسلمين .. واغفر لهم يا رحيم ..

>>>>> ردود الأعضـــــــــــــــــــاء على الموضوع <<<<<
==================================

َ. ِ
الله يعطيك العافيه تقبلي مروري من هنا
جنان الورد لروحك


__________________________________________________ __________
الله يعطيك العاااااافيه

__________________________________________________ __________
يعطيك العافيه
<<تعب وهو يقراء
الله يعينك كم صار لك يوم وانتي تكتبن الموضوع هههههه
مشموره تقبلي خربشتي

__________________________________________________ __________
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة .~*|ملآمح دآفِئة|.~*
َ. ِ
الله يعطيك العافيه تقبلي مروري من هنا
جنان الورد لروحك


يعافيك يالغلا
نورتي بطلتك
ويسلمووو عالوسام

__________________________________________________ __________
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ملاك الحجاز
الله يعطيك العاااااافيه


يعافيك يالغلا .. نورتي

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة مـــــ خواطر ـــــها

قصه مؤثـره ورآئعه

أشخآص مهمآ إبتعدوا وغآبوا عن الأعين فهم لآيفآرقون البآل

ولهم أثرٌ بآقٍ في حيآتنآ

رحمه الله وأسكنه جنآن الخُلد وجميع آلمسلمين

أشكركِ على القصه الرآئعه

تقبلي مروري

/
\



جزاك الله كل الخير غاليتي

تواجدك بينا طيات متصفحي أسعدني