عنوان الموضوع : اكمال للموضوع الاخوان المسلمين
مقدم من طرف منتديات الشامل

بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تحية طيبة وبعد ،

كنت قد اقترحت اقتراحا واعتقد انه نال القبول عند البعض من اعضاء منتدى تعب قلبى ، وكنت اقترحت ان انشر مقالات سياسية اشبه بالتحليل السياسى عن ما يحدث فى مصر ، وهو ما نشره معهد واشنطون لدراسات الشرق الادنى .

وانقل لحضراتكم بعض من هذه المقالات ، واسف لو كان سيكون السرد مطولا ، لكننا نحاول جاهدين ان نرى المور باكثر من اتجاه ومأكثر من راى ن يمكن لعل وعسى نصل او يصل احدنا الى الحقيقة فيما يحدث فى بلادنا العربية الاسلامية .


مصر ستشتعل مرة أخرى في الثلاثين من يونيو
24 حزيران/يونيو 2016
تعتبر محافظة بني سويف الزراعية في مصر الوسطى والتي تقع على بعد 70 ميلاً إلى الجنوب من القاهرة إحدى معاقل الإسلاميين. وكان الإسلاميون في بني سويف قد حصدوا أربعة عشر مقعداً من أصل ثمانية عشر مقعداً في الانتخابات البرلمانية الأولى بعد سقوط مبارك والتي جرت في كانون الأول/ديسمبر عام 2017. كما حصل الرئيس محمد مرسي من جماعة «الإخوان المسلمين» على ما يقرب من ثلثي أصوات الناخبين في بني سويف وذلك في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية التي جرت عام 2017 والتي فاز فيها مرسي بفارق ضئيل.
ومع ذلك، لم يزر المرشد العام لـ «الإخوان المسلمين» محمد بديع -- الذي يُدرِّس في كلية الطب البيطري في جامعة بني سويف -- منزله في المحافظة منذ آذار/مارس الماضي، عندما رفع نشطاء لافتات مناهضة لـ «الإخوان» وحاصروا المسجد الذي كان من المقرر أن يلقي فيه بديع خطبة الجمعة. وكما ذكر لي أحد أعضاء «الإخوان» السابقين وليد عبد المنعم الذي يملك مقهى فيه إعلانات ذات صبغة اشتراكية، في الشارع القريب من منزل بديع "بأن هؤلاء الأشخاص قد خططوا لمهاجمته ومحاصرته في المسجد". ويقوم نجل المرشد العام بحراسته حالياً ويجري أحياناً استدعاء أعضاء «الإخوان» لحماية منزله إذا ما تم الإعلان عن مظاهرات على الفيسبوك.
إن رد الفعل العنيف المناهض لـ جماعة «الإخوان» الذي أجبر بديع على ترك الإقامة في بني سويف هو نتاج الإحباط الشعبي المتزايد تجاه نظام الحكم الفاشل في مصر المتمثل في إدارة «الإخوان» للبلاد خلال السنة الأولى من حكم الرئيس مرسي. كما أن ارتفاع أسعار الغذاء والوقوف في طوابير الوقود لساعات طويلة والانقطاع المتكرر للتيار الكهربائي -- وكل ذلك التدهور يحدث في فصل الصيف الشديد الحرارة في مصر خلال هذا الوقت من العام -- وقد وضع العديد من المصرين في حالة من السخط والاغتياظ، ورافق ذلك وقوع صدامات بين «الإخوان» ونشطاء مناهضين لـ «الجماعة» وهو ما يعتبر السمة الغالبة التي تميز الحياة السياسية في مصر. كما أن هذه الاضطرابات التي لا تزال محدودة قد تزداد حدتها قريباً. ففي الثلاثين من حزيران/يونيو الذي يصادف ذكرى تولي مرسي للرئاسة، سيقوم نشطاء من المعارضة بتنظيم احتجاجات في أنحاء البلاد تحت شعار "تمرد".
وتزعم حملة "تمرد" أنها جمعت ما يقرب من 15 مليون توقيع على عرائض (وللمرء أن يتقبل هذه الأرقام بكثير من الامتعاض) تسرد العديد من حالات الفشل التي مُني بها مرسي -- على سبيل المثال أن "الاقتصاد قد انهار" وأن مرسي "يتبع الأمريكان" -- إلى جانب المطالبة بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة. وإذا كان هذا الطلب يبدو غير واقعي، فهو بالفعل كذلك: إذ لا يوجد سند قانوني لاستخدام حملة لجمع التواقيع من أجل إجبار رئيس مصري منتخب على إجراء انتخابات رئاسية مبكرة.
ويقيناً إن هذا شئ يعترف به العديد من مؤيدي "تمرد"، ولذلك لديهم هدف آخر وهو: توجيه السخط الشعبي من رئاسة مرسي نحو قيام احتجاجات جماهيرية من شأنها أن تجبره وكذلك حكومته التي يهيمن عليها «الإخوان» على ترك السلطة. وقال عبد الفتاح صبري رئيس اللجنة المنظمة لحملة "تمرد" في مدينة المحلة الكبرى في دلتا النيل "سنترك منازلنا [في 30 حزيران/يونيو] ولن نعود حتى إسقاط النظام أو الموت". كما أخبرني أنه يتوقع تدفق الملايين إلى الشوارع -- "وستحطم هذه الثورة جميع الأرقام القياسية" إلى جانب إجبار مرسي على ترك السلطة. ثم قال بعد ذلك إن الجيش سيعين مجلساً رئاسياً مؤقتاً تكون غالبيته مكونة من شخصيات غير منتمية للتيار الإسلامي وتتولى إجراء انتخابات جديدة.
وبالطبع، هذا الأمر بعيد الاحتمال إذا ما أردنا أن نكون منصفين. الشيء الوحيد الذي من الممكن التكهن به والذي تستطيع من خلاله المظاهرات الحاشدة الإطاحة بمرسي إذا ما تطورت الأمور إلى حدوث عنف بعد الثلاثين من حزيران/يونيو هو أن يُجبر الجيش على التدخل -- على عكس رغباته وتوجهاته -- لإيقاف ما يمكن أن يكون مواجهات دموية لم يسبق لها مثيل. بيد من غير المرجح أن ينتهي هذا الأمر عند هذا الحد: إن حدوث تدخل من هذا النوع قد يضع الجيش في مواجهة مباشرة مع الإسلاميين مما سيؤدي إلى قيام بعضهم بحمل السلاح الذي كانوا على استعداد لاستخدامه قبل عام بالضبط عندما كانوا يعتقدون أن المجلس العسكري المصري الحاكم في ذلك الوقت قد يمنع مرسي من تولي رئاسة الجمهورية. وهذا السيناريو يعرفه الجيش جيداً ويريد تجنبه بكل ما أوتي من قوة وهو ما سيكون سبباً في احتمال استمرار مرسي في الرئاسة بحلول الأول من تموز/يوليو.
بيد لا ينبغي أن يكون هذا مصدراً لطمأنة مرسي أو «الإخوان» لأنه -- بعيداً عن الألقاب السياسية -- قد تقع البلاد خارج سيطرتهم بشكل كامل. وقال محمد هيكل أحد المؤسسين الخمسة لحركة «تمرد» إن "المسيرات ستبدأ من أماكن مختلفة وستصل إلى القصر الرئاسي". وأضاف، "كما أننا سنلتف أيضاً حول أماكن أخرى: مثل المكاتب الحكومية وحتى السفارات المصرية في الخارج بما فيها سفارة مصر في واشنطن". وينوي النشطاء الاعتصام في هذه المواقع لأجل غير مسمى، وربما يقومون بتحصين مواقعهم من خلال إيقاف مئات السيارات في أماكن الاحتجاجات المختلفة. وفي الوقت نفسه، يخطط الناشطون من العمال في المناطق الصناعية في مصر إلى القيام بإضرابات رئيسية لتجميد النشاط الاقتصادي حتى رحيل مرسي. وقال لي زعيم العمال في أحد أكبر مصانع الغزل والنسيج في المحلة الكبرى إن "الأجواء مهيأة لأن العمال مستعدون". وأضاف، "في الثلاثين من حزيران/يونيو، سوف تتوقف المصانع عن العمل، وسنقوم بتنظيم إضرابات في المصانع في جميع أنحاء البلاد".
وسواء حققت مظاهرات الثلاثين من حزيران/يونيو الأعداد التي تتوقعها "تمرد" أم لا -- وهذا من المستحيل معرفته لأن قرار الشخص العادي الانضمام للثورة عادة ما يكون لحظياً -- إلا أن السخط الشعبي الأساسي ضد «الإخوان» والذي يعكسه ما يجهزون له من خطط هو في الواقع واسع الانتشار.
ومع هذا، ينكر «الإخوان المسلمون» ذلك إنكاراً تاماً. فقادة «الجماعة» وأعضاؤها يعتقدون أن مرسي غالباً ما حقق نجاحات منذ توليه الرئاسة وأنهم يرون الاحتجاجات المخطط لها بمثابة دليل على أن مشروعهم طويل الأجل لإقامة دولة إسلامية في مصر هو في تقدم مستمر. وقد قال لي محمود رشاد مدير المكتب الإعلامي لـ جماعة «الإخوان» في محافظة الغربية في دلتا النيل "أخبرنا [مؤسس جماعة «الإخوان»] الإمام حسن البنا منذ سبعين عاماً مضت أن هذا هو الذي سيحدث، لذا لا ينتابني شعور بالقلق بل أثق في أننا نسير على الطريق الصحيح".
وفي الوقت نفسه، يرى «الإخوان» أن حركة "تمرد" هي مؤامرة تديرها أقلية، والتي على الرغم من صغر حجمها إلا أنها تملأ الدنيا صخباً وضجيجاً -- وتحتاج هذه الأقلية أن ينفضح أمرها من خلال التعبئة المضادة التي ستكون أكثر وقعاً وسبقاً. وقال رضا غانم، مسؤول إعلامي آخر لـ «الجماعة» في الغربية "نحن سنخرج قبل الثامن والعشرين من حزيران/يونيو في جميع المحافظات في شتى أنحاء البلاد للاحتفال بمرور عام على انتخاب رئيس منتخب بشكل شرعي". وبالفعل، أعلنت جماعة «الإخوان» يوم الجمعة أنها ستجري "سلسلة من المسيرات المليونية لحماية الشريعة" خلال الأسبوع حتى تاريخ الثلاثين من حزيران/يونيو المقبل، وأنها قد أبدت مراراً وتكراراً استعدادها لمواجهة حركة "تمرد" وجهاً لوجه. وكما أعلن الأمين العام لـ جماعة «الإخوان المسلمين» حسين إبراهيم مؤخراً "أن الشعب لن يسمح باغتيال إرادته ... وسيدافع عنها بكل ما أوتي من قوة". وفي هذا السياق، ظهر بعض الشباب من التيار الإسلامي جنباً إلى جنب مع «الإخوان المسلمين» -- في المظاهرة الحاشدة التي نظمتها «الجماعة» يوم الجمعة -- على نحو ينذر بالسوء؛ وقد قام أولئك الشباب بتأدية تدريبات الدفاع عن النفس خلال تلك المظاهرة.
وبطبيعة الحال، واجهت جماعة «الإخوان» معارضيها بشكل عنيف من قبل -- وكانت لذلك نتائج كارثية. ففي الخامس من كانون الأول/ديسمبر 2017، أرسلت «الجماعة» بعض أعضائها للتصدي لمظاهرة حاشدة قامت بها المعارضة خارج قصر الرئاسة في الاتحادية. وكما ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" فإن أعضاء منتمين لـ جماعة «الإخوان» "قد قبضوا على عشرات من خصوم مرسي السياسيين واعتقلوهم واعتدوا عليهم بالضرب... واحتجزوهم لمدة ساعات بينما كانت أياديهم مكبلة على الرصيف خارج القصر الرئاسي، في الوقت الذي مارسوا عليهم ضغوط للاعتراف بأنهم تلقوا أموالاً لاستخدام العنف في الاحتجاجات ضد الرئيس المصري". وقد لقي سبعة أشخاص حتفهم في هذه الاشتباكات، ويرى العديد من النشطاء أن استخدام الحزب الحاكم للعنف ضد خصومه كان بمثابة اللحظة التي قرروا فيها بأنه لم يعد يتسنى لهم التسامح مع رئاسة مرسي.
ومع ذلك، يرى بعض أعضاء «الإخوان» أن حشد أعضائهم في الخامس من كانون الأول/ديسمبر كان خطوة صائبة. وقد أخبرني المتحدث الرسمي السابق باسم «الإخوان المسلمين» أحمد سبيع -- والذي يدير الآن مكتب شبكة "الأقصى" التي تملكها حركة «حماس» في القاهرة -- "إن جماعة «الإخوان» ... ترى أن ما حدث حول الاتحادية هو نوع من اغتصاب الحكم ومحاولة لإنهاء شرعية الرئيس، لذا خرج الشعب لحماية القصر والدفاع عنه". [والسؤال هو] هل سترسل جماعة «الإخوان» أعضاءها مرة أخرى لمواجهة المحتجين المناهضين للرئيس مرسي؟ إن ما قاله سبيع "سنقوم بتنفيذ كل ما تراه المنظمة أو [قادة] «الجماعة» مناسباً".
وفي الوقت نفسه، وبدلاً من تهدئة الأجواء السياسية في هذه اللحظة الحساسة، يزيد مرسي من حدة المواجهة. فعلي سيل المثال، لننظر إلى تعييناته الأخيرة للمحافظين والتي خالف فيها مطالب المعارضة بأن يكون الحكم أكثر شمولاً واستيعاباً لباقي الأطياف السياسية حيث قام بتعيين سبعة إضافيين من جماعة «الإخوان المسلمين» في منصب المحافظ. والشيء الأكثر غرابة، هو قيام مرسي بتعيين عضو من "الجماعة الإسلامية"، التي صنفتها الولايات المتحدة منظمة إرهابية، محافظاً للأقصر التي كانت مسرحاً لهجمات إرهابية مروعة شنتها "الجماعة الإسلامية" عام 1997 والتي أدت إلى مقتل 58 سائحاً. وكما هو متوقع، فقد تسببت هذه التعيينات في اندلاع مظاهرات على الفور -- اتسمت أغلبيتها بالعنف -- مما أدت في النهاية إلى إرغام المحافظ على تقديم استقالته يوم الأحد.
ومع ذلك، فمن وجهة نظر مرسي، ربما كان تعيين عضو في "الجماعة الإسلامية" في ذلك المنصب أمراً يستحق ردة فعل عكسية. فبعد ذلك بيومين، أعلن أحد قادة "الجماعة الإسلامية" عاصم عبد الماجد أن "الإسلاميين سيواجهون العنف بالعنف يوم 30 حزيران/يونيو"، محذراً من أن جماعته سترد على العنف بإعلان دولة إسلامية من «ميدان التحرير»". ولئلا يظن أحد أن هذه التهديدات فارغة، من المفيد الانتباه إلى الأمور التالية: كان عبد الماجد مسجوناً منذ عام 1981 وحتى 2017 بسبب تقديمه الدعم "المعنوي والمادي" لقتلة الرئيس المصري السابق أنور السادات، كما شارك سابقاً نفس الزنزانة التي سُجن فيها زعيم تنظيم «القاعدة» أيمن الظواهري.
لذا فعشية المظاهرة الحاشدة الأخرى المخطط لها سيجد معظم المصريين أنفسهم: بين معارضة غاضبة تسعى إلى انتفاضة جديدة، يتوقف "نجاحها" على قدرتها على إثارة الفوضى غير المسبوقة، وحزب حاكم يحب المواجهات وعاجز بكل ما تحمله الكلمة من معنى ويعتمد الآن على بعض العناصر السياسية الأكثر عنفاً في مصر كداعمين له بشكل أساسي. وأياً كان الذي سيحدث في الثلاثين من حزيران/يونيو، فإن ذلك لا يمكن أن يمر بسلام.
إريك تراجر هو زميل الجيل القادم في معهد واشنطن.


المقال الثانى


حوار حول مستقبل مصر

"فيما يلي نص المقابلة التي أجرتها مراسلة بوابة "الوفد" الألكترونية هند سليم مع الدكتور ديفيد بولوك حول انعدام الأمن في سيناء والفتنة الطائفية والخلافات المتعلقة بالتنمية في السويس وغيرها من القضايا التي تجري مناقشتها حالياً في مصر."
هل يمكن لـ «الإخوان المسلمين» أن يقيموا دولة الخلافة في مصر في ظل حالة السخط الشعبي التي تشهدها البلاد؟
أنا لا اعتقد بإمكانية أو ضرورة إقامة دولة الخلافة في مصر، حتى إن كان هذا هو ما قد تقترحه التفسيرات الأكثر تشدداً لأيديولوجية «الإخوان»، فالخلافة عادة ما تعتمد على وجود درجة من الوحدة أو على الأقل شرعية مشتركة بين الدول والمجتمعات ذات الغالبية المسلمة. ومن المستبعد تحقيق ذلك، اليوم أو في المستقبل المنظور. كما أن حالة الاستياء الشعبي المتزايد تجاه حكم «الإخوان» تمثل عقبة حاسمة أمام إنشاء دولة الخلافة. وكما يبدو لي فإن الاستياء لا يهدد بإسقاط نظام الإخوان قريباً، لكنه يشكل ضغوطاً عليهم للتحرك تدريجياً، ليعلنوا على الأقل تأييدهم لمعايير ديمقراطية حقيقية بدلاً من معايير الحكم الديني الخالصة. واعتقد أن سجل الإخوان في السلطة حتى الآن يثبت أنهم ليسوا ديمقراطيين حقاً، باسثناء الأمور المصطنعة التي تقبل حكم الأغلبية طالما يمكنهم ادعاء أنهم أغلبية، فهم يحاولون التوصل إلى سيطرة حصرية على المؤسسات الرئيسية في الدولة والمجتمع. وفي الوقت نفسه، هم لا يتحركون فعلياً للحكم من خلال الشريعة، وهم يعلنون بأن البلاد ستشهد انتخابات حرة جديدة في المستقبل. وهذا يشير إلى أنه حتى «الإخوان» أنفسهم يدركون أنه من غير المحتمل إقامة دولة خلافة حقيقية في مصر.
تسرب مستند حول اتفاقية بين الحكومة التي تقودها «الإخوان» وقطر تسمح للدوحة بإنشاء منطقة صناعية في السويس والاستثمار بقوة في مشروع القناة. كذلك علاقات قطر قوية مع «الإخوان» في العالم العربي، فعلى سبيل المثال، قطر دعمت «الإخوان» خلال الانتخابات في مصر وتونس . كيف تتوقع دور قطر في تشكيل العالم العربي، هل ستقود العالم العربي؟
قطر أصبحت مصدر تمويل مهم للحكومة الجديدة في مصر منذ ثورة 25 كانون الثاني/يناير قبل أكثر من عامين. وبدون المنح والقروض وودائع البنوك والمدفوعات السرية تحت الطاولة والتعهدات الحالية بشحنات الغاز الطبيعي، كان «الإخوان» ومصر سيواجهون أزمة اقتصادية طاحنة. ومن الغريب والمثير للسخرية أن يكون لملكية بعيدة لا يتجاوزعدد سكانها ربع مليون نسمة هذا النفوذ على مصر التي يبلغ عدد سكانها 85 مليون نسمة، وهو الأمر الذي جعلها أكبر دولة عربية، ويفترض أنها دولة ديمقراطية حديثة.
ولكن قطر لا يمكن أبداً أن تكون قائد حقيقي للعرب. فهي مجرد دولة صغيرة جداً وغير ديمقراطية على الإطلاق وضعيفة للغاية رغم ثروتها الضخمة. ولديها الكثير من المنافسين، وهم كل دولة عربية بدءاً من السعودية المجاورة لها، التي من الطبيعي أن تشعر بالغيرة على سيادتها.
ويعد تدخل قطر بالوكالة في سوريا -- والذي أصبح غير مؤثر -- مثالاً جيداً على قدراتها المحدودة، وحتى قناة الجزيرة الفضائية فقدت جمهورها وتأثيرها لصالح وسائل الإعلام المحلية!
الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز قال"العرب جربوا قيادة مصر للمنطقة على مدى 50 عاماً، لذلك عليهم أن يجربوا قيادة إسرائيل". فهل تقود إسرائيل الشرق الأوسط خلال المرحلة القادمة في ضوء التحديات التي تواجه مصر؟
يجب أن أقول أنني اعتقد أن هذا التصريح غير دقيق. ربما بيريز كان يتحدث عن الديمقراطية وليس عن إسرائيل باعتبارها نموذج للمستقبل في الشرق الأوسط. فإسرائيل لديها ديمقراطية والكثير من الإشادات التي تضاف إلى رصيدها، فهي إحدى القوى المهمة في المنطقة، ومستعدة للتعاون مع الآخرين لإيجاد مصالح مشتركة. ولكن من المستحيل أن يكون بإمكانها قيادة الشرق الأوسط بأكمله وحدها. فإسرائيل صغيرة للغاية، ومختلفة جداً وتركز بشكل أكبر على وضعها الخاص الذي يشمل المشكلة الفلسطينية العنيدة، من أن تفكر على قيادة المنطقة.
كانت لدي فرصة لأن التقي شخصياً مع شمعون بيريز مؤخراً، ويمكنني أن أقول أنه يأمل إلى قيادة أمريكية للمنطقة أكثر من تطلعه لقيادة إسرائيلية. وبالفعل فإن ادعاء مصر للقيادة الإقليمية أصبح موضعاً للكثير من الجدل، نظراً للتحديات الداخلية الجديدة الصعبة. ولكن إن تمكن المصريون من التركيز لفترة قصيرة على الديمقراطية والتنمية الاقتصادية ولاحقاً على دبلوماسية البناء، فسيكون لديهم فرصة مقبولة لاستئناف دورهم كقادة حقيقيين للمنطقة على الأقل خلال المستقبل متوسط الأجل. وأنا شخصياً أتطلع لأن أرى ذلك يحدث ولكن يظل الخيار بيد مصر.
بعض المحللين يعتقدون أن الأحداث في مصر ستؤدي إلى إنجاز مشروع الشرق الأوسط الكبير..فما رأيك؟
إن كنت تقصدين نوع من الخطة الأمريكية للمنطقة التي دار حديث مختصر بشأنها خلال إدارة الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش والمعروفة باسم مشروع "الشرق الأوسط الكبير"، فإنني أصر على أنه لا يوجد شيء مثله مناسب اليوم بأي حال من الأحوال، فـ "الربيع العربي" في مصر على الأقل يعني حقيقة أن الشعب أخذ مصيره بيده. وعلاوة على ذلك، اعتقد أن ذلك سيستمر بصورة أكبر. فالولايات المتحدة حالياً ليس لديها الرغبة أو الوسائل للتأثير على مصر، وتركت المنطقة وحدها لما تريده. وأي فكرة مخالفة تدفعني للتفكير باعتبارها مجرد نظرية مؤامرة أخرى لا أساس لها، ويوجد الكثير من هذه النظريات حول مشروع الشرق الأوسط، وتقريباً جميعها خاطيء.
تقول بعض التقارير أن مرسي يعتزم إعطاء شبه جزيرة سيناء إلى الفلسطينيين خاصة أنه سمح لهم بزيارة سيناء دون الحصول على تأشيرة دخول، بالإضافة إلى أن الحكومة فقدت سيطرتها على سيناء، فكيف تتوقع مستقبل سيناء؟
لا اعتقد أن مرسي يريد أو يخطط للتخلي عن السيطرة على سيناء لمنحها للفلسطينيين، بل على العكس، اعتقد أنه يعمل مع الجيش لإعادة فرض سيطرة أكبر، وتجنب استفزازات ضد إسرائيل، وبوجه عام، فإن نظام «الإخوان» يتبنى منهجاً واقعياً نسبياً. ولا اعتقد أن مرسي يريد التورط في صراع كبير آخر بين «حماس» وإسرائيل أو التنازل عن سيناء كلية للمهربين والمسلحين. فالنتائج في هذه الحالة ستكون خطورتها على مصر أكبر من إسرائيل أو أي طرف آخر. واعتقد أن إسرائيل أظهرت بعض المرونة والصبر من خلال تشجيع مصر على حراسة المناطق الحدودية بصورة أكثر فعالية. ويمكن لمصر أن تفعل أكثر للسيطرة على سيناء وتسيير دوريات فيها وتطويرها بصورة مسؤولة، وتبدو أوجه العجز في إدارة سيناء بالنسبة لي بأنها مسألة قدرة وكفاءة وضغوط الأولويات الداخلية بصورة أكبر من الرغبة في دعم الفلسطينيين أو نوايا عدائية تجاه إسرائيل.
يدور جدل حول مشروع تطوير قناة السويس، معظم الخبراء المصريين يقولون أن المشروع سيؤدي إلى احتلال المنطقة بينما تقول حكومة مرسي أن المشروع سيزيد من عائدات القناة ويخفف الأزمة الاقتصادية. كيف ترى المشروع؟
أرى أن أحد القضايا الرئيسية مؤخراً هي حالة الغضب القوية في القاهرة ومدن القناة، والتي أدت إلى قيام مظاهرات ضخمة متتالية، وفقدان عام للأمن. ونتيجة لذلك، فإن جزء كبير من هذه المنطقة يخضع لنوع قريب من الحكم العسكري، وافترض أن الكثير من المواطنين أيضاً يرون مشروع القناة باعتباره سيجلب منافع لعائدات الحكومة المركزية، بدلاً من التوظيف المحلي ومستوى المعيشة وجودة الحياة. والقناة أصبحت أكثر مركزية لاحتياجات الحكومة من العملة الأجنبية، ولوضع مصر الاستراتجي، في ظل ركود السياحة والاستثمار، بينما الاستقرار السياسي لا يزال موضع شك. وكل ذلك يعقد الموقف أكثر، ويضع أي مشروع تحت دائرة الاشتباه.
هناك تصاعد في العنف الطائفي في مصر وبعض المشاكل في النوبة في الجنوب، وهناك مخاوف من تقسيم مصر بين المسلمين والأقباط أو انفصال النوبة، كيف تتوقع المستقبل؟
التوترات بين الأقباط والمسلمين مشكلة رئيسية في مصر حقاً، وتصاعدت في ظل حكم مرسي أكثر من ذي قبل. ولسوء الحظ اعتقد أن ذلك نتيجة إضافية حتمية لوصول حكومة إسلامية أصولية للسلطة، ومرسي جعل المشكلة أصعب بإظهار حساسية أو دعم قليل للغاية لحصول المصريين على حقوق متساوية. والانشقاقات والأوضاع الاجتماعية تفاقم المشكلة، ولكن يجب أن تكون المسؤولية الأولى للحكومة هي حماية جميع شعبها.
ولا أرى أي علامة على تقسيم مصر إلى جيوب طائفية. والأقباط ببساطة مختلطين مع المصريين الآخرين بصورة كبيرة وعددهم كبير، ومتكاملين مع المجتمع والاقتصاد المصريين، وحتى الآن، حكومة مصر وقوات الأمن قويان ومصممان على منع تقسيم البلاد.
وفيما يتعلق بالنوبة في الجنوب، أرى أنهم قليلون للغاية وغير منظمين ليشكلوا تهديداً بالانفصال أو شيء ما كهذا، رغم تصاعد استيائهم تجاه النظام الجديد وانتشار مناخ من عدم الاستقرار والاحتجاجات الشعبية. التهديد العاجل لمصر من الجنوب قد يكون استخدام مياه النيل وليس الصراع العرقي.
ديفيد بولوك هو زميل كوفمان في معهد واشنطن، ومستشار رفيع المستوى سابق في مشروع الشرق الأوسط الكبير في وزارة الخارجية الأمريكية.
تنبيه سياسي
سياسة ترتيب الأولويات الأمريكية في مصر عقب الاحتجاجات

1 تموز/يوليو 2016
جاءت الاحتجاجات الجماهيرية في الثلاثين من حزيران/يونيو ضد جماعة «الإخوان المسلمين» في مصر، والتي أوردت التقارير أنها من بين الأكبر في التاريخ الحديث، لتمثل منعطفاً خطيراً للسياسة الأمريكية. ففي حين أن إدارة أوباما تنظر حتى الآن إلى صعود الرئيس محمد مرسي من خلال انتخابات حرة ونزيهة نسبياً كخطوة هامة نحو ترسيخ الديمقراطية في مصر، إلا أن تزايد الغضب الشعبي الهادر ضد الحكومة الإسلامية يمثل رسالة تذكير هامة بأن الانتخابات وحدها لا تستطيع أن تفضي إلى الاستقرار. لذا ينبغي على واشنطن أن تحاول الحد من الأضرار التي ستلحق بمؤسسات الدولة في مصر.
وتعكس الاحتجاجات مشاعر الإحباط العميقة والواسعة النطاق التي يشعر بها المصريون تجاه إدارة مرسي للفترة الانتقالية عقب مرحلة ما بعد مبارك. فأسلوبه غير الشامل في الحكم -- الذي اتسم بالإعلان الدستوري من 22 تشرين الثاني/نوفمبر الذي منح نفسه بمقتضاه صلاحيات تنفيذية مؤقتة مطلقة، وتمريره لاحقاً لدستور إسلامي عنوة -- دفع نشطاء المعارضة إلى الدعوة للإطاحة به منذ شهور. ومع تردي الأوضاع في الدولة بشكل كبير (مثل طوابير الغاز التي تمتد لساعات والانقطاعات اليومية المتكررة في الكهرباء وارتفاع أسعار المواد الغذائية والفراغ الأمني ​​الخطير) اكتسبت الحملة للإطاحة به من السلطة قوة دافعة وزخماً من قبل كتلة حاسمة من المصريين، وذلك ما عكسه حجم المظاهرات واسعة النطاق التي عمت أنحاء الجمهورية في الثلاثين من حزيران/يونيو.
وفي حين أنه لا توجد آلية قانونية لعزل مرسي من السلطة، إلا أنه أصبح الآن رئيساً شكلياً فقط. فهو لا يكاد يحظى بسيطرة تذكر على الشرطة إن كانت له سيطرة كهذه على الإطلاق، وهو ما دللت عليه مشاركة ضباط الشرطة في مظاهرات الثلاثين من حزيران/يونيو ورفض وزارة الداخلية حماية مقار جماعة «الإخوان»، والتي قام المتظاهرون بإحراقها لاحقاً. وخلال الأسابيع الأخيرة، أشار الجيش مراراً وتكراراً إلى استقلاله من خلال الإلماح إلى أنه قد يتدخل إذا شكلت الاضطرابات تهديداً على مؤسسات الدولة الحيوية، رغم أن الجنرالات لا يزالون مترددين تجاه اتخاذ هذه الخطوة. إن استمرار الاحتجاجات الجماهيرية سوف يُضعف المؤسسات المصرية بشكل أكبر، مما يجعلها أقل استجابة للرئيس الذي يُنظر إليه حالياً على نطاق واسع على أنه فقد شرعيته.
إن عكس هذا الانهيار في سلطة الدولة لن يحدث بين عشية وضحاها، وربما يستغرق سنوات في واقع الأمر. وعلى المدى القريب، ينبغي على واشنطن أن تجري تحليلاً لترتيب الأولويات وأن تقيِّم الأسلوب الذي يمكن به أن تستغل نفوذها للحد من الأضرار، وهو ما يعني تيسير سبل التوصل إلى نهاية سلمية للاحتجاجات بأسرع ما يمكن. وفي سبيل تحقيق تلك الغاية، ينبغي على إدارة أوباما أن تحث مرسي على الاستجابة لمطالب الجماهير المشروعة من خلال الأفعال وليس مجرد الكلمات. كما ينبغي لها أن تخبره أنه رغم فوزه بالسلطة عن طريق الانتخابات، إلا أنه في موقف شبيه بموقف مبارك منذ عامين، فضلاً عن أن عجزه عن تلبية مطالب الجماهير الحاشدة المنتقدة له الآن سوف يزيد من سقف المطالب بطرده من السلطة ويجعله غير قادر على الاستمرار في منصبه كرئيس للبلاد.
وأخيراً، يتعين على الإدارة أن تخبر مرسي بعبارات لا يكتنفها الغموض بأن العنف ضد المحتجين هو الخط الأحمر بالنسبة للولايات المتحدة. فإذا ردت كوادر «الإخوان» أو حلفاؤهم الإسلاميون على المظاهرات بالعنف، كما حدث في كانون الأول/ديسمبر، ينبغي حينها أن تكون واشنطن مستعدة لدعم تدخل الجيش، حيث إن استمرار حكم مرسي في تلك المرحلة سيكون عاملاً مساعداً وحافزاً على وقوع مزيد من أعمال الفوضى والعنف في البلاد.
إريك تراجر هو زميل الجيل القادم في معهد واشنطن.


>>>>> ردود الأعضـــــــــــــــــــاء على الموضوع <<<<<
==================================

المقال الثالث والرابع تباعا وسوف تتوالى المقالات الاخرى ، وارجو ان لا يكون هناك اى تعليق حتى انتهى نهائيا من نشر كافة المقالات ، واشكركم على حسن تعاونكم .


جماعة «الإخوان المسلمين» لا تستطيع إنقاذ مرسي الآن
3 تموز/يوليو 2013

يبدو من غير المنطقي أن تدفع الاحتجاجات الجماهيرية برئيس منتخب إلى خارج السلطة، لا سيما بعد مرور عام واحد فقط من تسلمه إياها لفترة ولاية أمدها أربع سنوات. إلا أنه لم يتم بعد إضفاء الطابع المؤسسي للديمقراطية في مصر، كتلك القائمة حالياً، ويرجع ذلك في جزء كبير منه إلى فشل الرئيس محمد مرسي في الحكم عن طريق توافق الآراء. فإعلانه الدستوري من 22 تشرين الثاني/نوفمبر -- الذي منح لنفسه بمقتضاه صلاحيات مطلقة -- ومن ثم سحبه لذلك الإعلان لاحقاً، والذي استخدمه في تمرير دستور إسلامي والتصديق عليه، عمل على تنفير الجماهير غير الإسلامية في مصر بشكل دائم، وهم يقاتلون الآن ضد الأساليب الأوتوقراطية التي اتبعها لكن ليس عبر صناديق الاقتراع، بل في الشوارع.

ومع ذلك، فإن انعدام الثقة الشعبية في المؤسسات السياسية لن تكون عادة سبباً كافياً لعزل رئيس منتخب من منصبه. والتاريخ المصري الحديث يشير إلى الكثير في هذا السياق: فقد اندلعت الاحتجاجات الجماهيرية بشكل متكرر منذ الإطاحة بحسني مبارك قبل عامين ونصف، ولم يترتب على تلك الاحتجاجات مطلقاً تغيير النظام. وكان سبب ذلك يعود إلى حد كبير إلى أن الشرطة والجيش غالباً ما كانوا يردون على تلك الاحتجاجات باستخدام القوة القاتلة، الأمر الذي كان يعمل على تفريغ الطاقة الاحتجاجية وإبعاد الجمهور غير المشارك، الذي لم يكن يرغب في شيء سوى العودة إلى الاستقرار ومن ثم كان يلقي بلائمة العنف على المحتجين.

ولكن الآن، وللمرة الأولى منذ بدء الانتفاضة المصرية في كانون الثاني/يناير 2011، لا توجد فعلياً أية فرصة لتتدخل السلطات الرسمية لإخماد الاحتجاجات التي كانت تناهض مرسي [وأدت إلى الإطاحة به]. وفي الواقع يبدو أن قوات الأمن تشجع تلك الاحتجاجات بصورة نشطة. فقد شاركت الشرطة منذ اليوم الأول، حيث خرج ضباطها في زيهم الرسمي للتضامن ضد الرئيس بالذات الذي يُفترض أن يأتمروا بأمره، وحظوا بتهليل الحشود على طول الطريق. وفي غضون ذلك، أسقطت طائرة هليكوبتر عسكرية أعلاماً مصرية من الجو على أماكن الاحتجاجات المناهضة لمرسي. كما جاء بيان الجنرالات يوم الاثنين بأن أمام مرسي 48 ساعة لوضع خارطة طريق للخروج من الأزمة الحالية ليشجع المحتجين، الذين ساد لدى أغلبيتهم الساحقة شعوراً بأن الجيش سوف ينحاز لصالحهم ضد الرئيس المنتخب.

ومع مضي الجيش قدماً في إنذاره، فإن عزل مرسي من السلطة كان أمراً مؤكداً. وهناك أمران فقط يمكنهما دفع هؤلاء المتظاهرين المبتهجين إلى ترك الميادين.

أولاً، الإجهاد الذي يصيبهم جراء الاحتجاجات. لكن هذا الأمر يبدو غير محتمل في الوقت الراهن. فقد وقف الطقس إلى جانب معارضي مرسي حيث إن الظروف الجوية تبدو جيدة على نحو غير معتاد وفقاً للمعايير المصرية -- حيث تصل درجات الحرارة العظمى ما بين 90 – 95 درجة بدلاً من المعدلات المعتادة التي تتجاوز حاجز الـ 100. وقد كان المحتجون في الماضي ينتظرون عادة حتى المساء لممارسة فعالياتهم الكبرى. ولهذا السبب يمكن استمرار الاحتجاجات حتى خلال شهر رمضان الذي يوافق عطلة تستمر شهراً بدءً من الأسبوع المقبل: وبإمكان استمرار المظاهرات بعد الفطور، في أعقاب غروب الشمس وفقاً للشعائر الإسلامية.

ثانياً، يستطيع «الإخوان المسلمون» وحلفاؤهم -- لا سيما "الجماعة الإسلامية" المصنفة كمنظمة إرهابية من قبل الولايات المتحدة -- الرد على الاحتجاجات باستخدام العنف، ومن ثم القيام بما رفضت الشرطة القيام به، لكن بمزيد من الوحشية والقمع. وهذا هو السيناريو الأكثر احتمالاً: فقد نشر «الإخوان» كوادرهم ضد المحتجين المناهضين لمرسي في 5 كانون الأول/ديسمبر، وأسفرت تلك العملية عن مقتل سبعة أشخاص وقيام أعضاء «الجماعة» بتعذيب خصومهم. وفي الأيام الأخيرة، أشار «الإخوان» إلى أنهم قد ينظمون كوادرهم في تشكيلات ويقومون بتسليحهم بالهراوات والخوذ. وفي يوم الثلاثاء، فرضت تلك الوحدات المتنقلة طوقاً حول موقع الاحتجاجات الرئيسي لـ «الإخوان» في ميدان "رابعة العدوية" ورددوا هتافات "قوة، عزيمة، إيمان، رجال مرسي في كل مكان!".

إلا أنه بعيداً عن استعراض القوة، فإن وجود هذه الوحدات عزز العجز المطلق لمرسي. وعلاوة على ذلك، فإن حقيقة أن بعض من سيصبحون مقاتلين، والذين سيكونون مسلحين بأغصان الأشجار تجعل العملية برمتها وكأنها رواية "أمير الذباب" [وهي قصة رمزية تناقش كيفية فشل الثقافة التي أنشأها الإنسان، وذلك باستخدام مثال على ذلك مجموعة من تلاميذ المدارس البريطانيين علقوا على جزيرة مهجورة ويحاولون أن يحكموا أنفسهم، ولكن تحدث نتائج كارثية]؛ أو بمعنى آخر انعدام القانون والفوضى الأمر الذي جعل مرسي يبدو كمن تقطعت به السبل. لكن الأهم من ذلك أن هذه الوحدات -- واحتجاجات «الإخوان» بشكل أوسع نطاقاً -- تفوقها بكثير حشود جماهير المعارضة المتدفقة. لذا ففي حين أن العنف أصبح أمراً حتمياً في ضوء المخاطر التي تواجهها «الجماعة»، إلا أنه سيكون من الصعب على حلفاء مرسي اللجوء إلى عنف ينهي الاحتجاجات.

ولهذا السبب كانت تبدو ساعات مرسي في السلطة معدودة بشكل لا يصدق.


إريك تراجر هو زميل الجيل القادم في معهد واشنطن.



تنبيه سياسي

مصر الآن تمثل تحدياً سياسياً لحاكم قطر الجديد


3 تموز/يوليو 2013

على الرغم من أن الاحتجاجات التي دارت في شوارع القاهرة ومدن أخرى قد قررت مستقبل مصر، إلا أن قطر تستطيع أيضاً أن تلعب دوراً حيوياً في قدرة جماعة «الإخوان المسلمين» على البقاء في السلطة. وكانت هذه الدولة الصغيرة الواقعة على الخليج الفارسي من أوائل الدول العربية التي تعترف بالحكومة العسكرية الأولية في مرحلة ما بعد مبارك، وينظر إليها منذ ذلك الحين باعتبارها أكبر داعم ومساند لحزب «الإخوان» الحاكم.

والآن يبدو أن الحكمة من استثمار الكثير من النفوذ والأموال في مصر أصبحت محل شك. فقد أصبحت قطر ممقوتة من جانب قطاعات عريضة من المصريين العاديين الذين يرون، وربما يكونوا مخطئين في ذلك، أن الإمارة تستغل ثروتها الهائلة من الغاز الطبيعي لشراء أصول مصرية (لدرجة تشمل قناة السويس أيضاً) بأسعار رخيصة. وعلى نحو مماثل، فإن الخصوم السياسيين لجماعة «الإخوان» يتهمون قطر بتمويل الحزب وتوفير حقائب نقود لزعمائه بينما تشعر الولايات المتحدة ودول أخرى بالإستياء جراء إرسال قطر كميات ضخمة من المساعدات -- تقدر بنحو 5 مليار دولار على الأقل، وربما تصل إلى 8 مليار دولار في بعض التقديرات -- دون المطالبة بإدخال تغييرات على الإعانات الاقتصادية المعيبة للقاهرة. وفي دول الخليج، يمقت كذلك جيران قطر من الدول العربية نهج الدوحة في التعامل مع مصر، نظراً لبغضهم لـ «الإخوان».

وإجمالاً، أصبحت مصر معضلة سياسية شائكة لحاكم قطر الجديد، الأمير تميم بن حمد آل ثاني، الذي يبلغ من العمر ثلاثة وثلاثين عاماً، والذي تولى السلطة لدى تخلي والده عن العرش الأسبوع الماضي. إذ يجب عليه الآن أن يقرر ما إذا كان سيواصل الدعم المالي لجماعة «الإخوان» أم سيجمد ذلك الدعم إلى حين الوصول إلى تسوية سياسية مع المعارضة. ومما يزيد الأمر تعقيداً أن الأمير تميم يفتقر إلى الخبرة حول هذه المسألة: فرغم أنه زار القاهرة بعد فترة وجيزة من الثورة، عندما كان لا يزال ولياً للعهد، إلا أن الجزء الأكبر من سياسة الإمارة للارتباط بمصر الجديدة كانت تحت قيادة الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني، رئيس الوزراء ووزير الخارجية الذي أعفاه الأمير تميم عن الخدمة الأسبوع الماضي. وفي 2 تموز/يوليو، فقد الشيخ حمد منصبه كرئيس لـ "جهاز قطر للاستثمار" الذي شغله لفترة طويلة، ويعتبر هذا الجهاز "صندوق الثروة السيادية" للبلاد الذي تزيد أرصدته عن 100 مليار دولار. ولم يتم بعد تفسير سبب عزله عن منصبه، رغم أنه قال قبل شهرين وبطريقة كاشفة "وصلت إلى نهاية حياتي المهنية".

ولا يزال المسؤولون القطريون يصورون هذه التغييرات كما لو كانت انتقالاً سلساً ومخططاً للسلطة. لكن الفوضى في مصر -- إلى جانب الدعم القوي من قطر للثوار في سوريا والحكومة الجديدة في ليبيا -- سوف تمثل مجالات اختبار للقدرة الإدارية لدول أكبر بكثير، ناهيك عن قطر.

وأثناء حديثه في واشنطن في نيسان/أبريل، أشار حمد بن جاسم إلى أن الدوحة بدأت تدعم مصر مالياً قبل أن تُسفر الانتخابات عن مجئ جماعة «الإخوان» إلى السلطة في البلاد. وقد أكد على التزام دولته تجاه الحكومة المصرية، لكنه لاحظ أنهم "اليوم يختارون حكومة إسلامية. وربما يختارون غداً حكومة أخرى...وبغض النظر عما يقرره شعب مصر، فسوف نحترم اختياراته". كما صرح "أننا لا نريد أحداً أن يتدخل في شؤوننا في قطر...فنحن نحترم إرادة الشعوب في الدول الأخرى". وفي حين لا يرجح أن يشعر تميم بقيود جراء تصريحات حمد بن جاسم، إلا أنه سوف يفضل على الأرجح ألا يغير اتجاه سياسة قطر تجاه مصر في وقت مبكر من حكمه، حيث إنها مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بوالده، الذي يعرف رسمياً الآن باسم "الأمير الوالد".

وبالنسبة لواشنطن، لا تزال قطر شريكاً هاماً، حيث توفر قاعدة جوية رئيسية للقوات الأمريكية وتشارك في العديد من وجهات النظر السياسية العامة رغم اختلافها حول التفاصيل في بعض الأحيان. وعلى الرغم من أن الوضع في القاهرة قد يكون محرجاً للزعيم القطري الجديد، إلا أن واشنطن لا تزال بحاجة إلى استغلال نفوذ الإمارة المنحسر في مصر. وفي وقت مبكر من الثالث من تموز/يوليو، زار وفد مجلس الشيوخ الأميركي برئاسة جون ماكين وليندسي غراهام، الأمير تميم في الدوحة، وليس هناك شك بأن اللقاء كان فرصة للإطلاع على آراء الزعيم الجديد حول مصر، من بين أمور أخرى. وستكون هذه المعلومات حاسمة في الوقت الذي تعمل فيه واشنطن على إيجاد سبل للمساعدة في حل الأزمة المصرية بسرعة.


سايمون هندرسون هو زميل بيكر ومدير برنامج الخليج وسياسة الطاقة في معهد واشنطن.


__________________________________________________ __________
المقال الخامس والسادس

يكاد بعد الاطاحة بمحمد مرسي، فرصة ثانية لأوباما
3 تموز/يوليو 2013
جاء عزل الجيش المصري للرئيس محمد مرسي ليمنح إدارة أوباما فرصة هي الأكثر ندرة في السياسة الخارجية: إنها فرصة ثانية. ووضع الأمور في نصابها سوف يتطلب فهم الجوانب التي أخطأت فيها الولايات المتحدة في المرة الأولى.
يرى البعض أن الخطأ الجوهري الذي ارتكبه الرئيس أوباما في سياسته تجاه مصر هو سحب الدعم الأمريكي من الرئيس المصري السابق حسني مبارك -- الذي شغل منصبه لفترة طويلة -- في شباط/فبراير 2011، عندما ملأ آلاف المصريين "ميدان التحرير" للمرة الأولى مطالبين بالتغيير. ووفقاً لوجهة النظر هذه، كان على الولايات المتحدة أن تقف إلى جانب مبارك، المعارض الصارم لـ جماعة «الإخوان المسلمين»، الذي قاتل جنوده إلى جانب القوات الأمريكية في حرب الخليج الفارسي والذي ظل محافظاً على سلام مصر مع إسرائيل رغم عزلته في العالم العربي.
ومع ذلك، فوجهة النظر هذه خاطئة. لقد كانت صحة مبارك العليلة تعني أن حكمه أوشك على الانتهاء، وهي حقيقة رفض مواجهتها، وبدلاً من ذلك أحاط نفسه بالمتملقين وتصرف كما لو كان فرعوناً عصرياً. وبالنسبة للمصالح الأمريكية فقد أصبح مبارك يشكل عبئاً ثقيلاً، وكان هناك بديل منطقي.
ففي مطلع 2011، كان الجيش هو ذلك البديل المنطقي. ورغم خطاب أوباما المحلق بأن نشطاء "ميدان التحرير" هم ورثة مهاتما غاندي و مارتن لوثر كينغ، إلا أن السياسة الأمريكية كانت تقوم من الناحية الفعلية على حماية المصالح الأمريكية في مصر من خلال دعم نقل السلطة من جنرال في سلاح الجو يبلغ من العمر 82 عاماً إلى جنرال يبلغ من العمر 75 عاماً هو قائد "المجلس الأعلى للقوات المسلحة" المشير محمد حسين طنطاوي. لقد كان الجيش المصري، المؤسسة الأكثر شعبية في البلاد، قادراً على أن يسبح عبر العواصف السياسية وأن يجد قبطاناً مدنياً يقود دفة سفينة الدولة إلى بر الأمان -- أو هكذا اعتقدنا.
وعند النظر إلى ما مضى، نرى أن خطأ الولايات المتحدة الأكبر كان الثقة المفرطة التي وضعتها في الجنرالات. فعندما انتقل البيت الأبيض إلى قضية ليبيا وغيرها من المواضيع، ترك من الناحية الفعلية سياسته تجاه مصر تسير بقوة الدفع التلقائي، حيث منح الجنرالات حرية تقدير سرعة ومحتوى "عملية التحول الديمقراطي".لقد كان الجميع يعلمون أن المصلحة الحقيقية للجنرالات هي ابتكار نظام سياسي يحافظ على سلطتهم وثروتهم. لكنهم كانوا "رجالنا" -- [أي جنرالات تثق بهم واشنطن]، رجال فهموا التقاطعات بين حتميات الأمن الإقليمي الأمريكية والمصرية -- بحفاظهم على معاهدة السلام مع إسرائيل -- وزعموا أنهم يُقدرون الحاجة إلى عملية سياسية تحظى بالشعبية ومشاركة الجميع والشرعية.
وقد كانت تلك السياسة منطقية. ونظراً لأن أحداً لم يتخيل نطاق عدم الكفاءة السياسية للجنرالات، فإنها كانت تنطوي على أخطاء مأساوية.
لقد كانت جماعة «الإخوان المسلمين» لاعبة هامشية في التحولات المثيرة في "ميدان التحرير"، وهي معروفة كحركة أيديولوجية إسلامية سرية تعمل في الخفاء. وخلال 18 شهر فقط، استطاع الرجل المهيمن والقوي محمد حسين طنطاوي الإشراف على عملية سياسية تمكن من خلالها «الإخوان» هندسة طريقة منهجية للسيطرة على النظام السياسي في مصر. وربما سمح طنطاوي بذلك اعتقاداً منه بأنه وجد لاعباً سياسياً داخلياً لتأمين المصالح المؤسسية للجنرالات، لكن سرعان ما انكشفت الحقيقة. فاستيلاء «الإخوان» على السلطة -- جزئياً من خلال صناديق الاقتراع، وبوصرة جزئية من خلال وسائل غير دستورية -- كان كاملاً إلى حد بعيد إلى درجة أن إحدى الخطوات الأولى التي اتخذها رئيسها المنتخب حديثاً هي الإطاحة بطنطاوي في آب/أغسطس 2012. وفي منطقة تعج بالسياسيين غير الأكفاء، كان طنطاوي مميزاً.
وطوال هذه الفترة، رأت الولايات المتحدة الجنرالات يرتكبون الخطأ تلو الآخر -- بما في ذلك العجز عن صياغة دستور ومباركة قانون الانتخابات الذي صمم لصالح الإسلاميين وأتاح نافذة لممارسة العنف ضد المسيحيين، لكن صناع السياسة لم يفعلوا شيئاً أكثر من توجيه الأسئلة. وعلى الملأ، غالباً ما كانت الولايات المتحدة تعزز المبادئ الحقة -- التعددية والحرية الدينية والإصلاح الاقتصادي، أما على انفراد فقد كانت واشنطن تذعن للجنرالات على الدوام. وحتى عندما أخذت العملية منحنى مناهضاً للولايات المتحدة في أواخر 2011، مع اعتقال ومحاكمة موظفين أمريكيين من المؤسسات الداعمة للديمقراطية والممولة من قبل الحكومة الأمريكية، التزمت واشنطن الصمت على نحو يبعث على الحرج.
وبذلك، تحدد نمط العلاقات الأمريكية مع جماعة «الإخوان» وممثلها في القصر الرئاسي، مرسي. فعلى غرار ما حدث مع الجنرالات، وعدت «الجماعة» بتدابير لحفظ الاستقرار، بما في ذلك السلام الفاتر مع إسرائيل. وكل ما طالبت به هو أن تُترك وشأنها. وفي الوقت الذي علا فيه الشعار الأمريكي الجديد "بناء الوطن من الداخل"، كان العرض من الممثلين الذين انتُخبوا حديثاً من قبل الشعب المصري مغرياً.
ربما تكون الإدارة قد تحدثت عن الإصلاح الاقتصادي، لكن المبعوثين الأمريكيين ذهبوا إلى القاهرة يحملون شيكات، كما لو أن المال سيستمر في التدفق بغض النظر عن السياسات الاقتصادية الشعبوية السيئة التي انتهجها «الإخوان». لقد تحدثت الإدارة الأمريكية عن الحقوق المدنية والتسامح، لكنها لم تفعل شيئاً عندما تعرض الصحفيون والنشطاء والمواطنون العاديون للسجن بتهم الإساءة للإسلام أو إهانة الرئيس. ولا يوجد رد أبلغ على التراجع الأمريكي في دعم المجتمع المدني -- والذي عكسه خنوع واشنطن في مواجهة محاكمة نشطاء أمريكيين داعمين للديمقراطية -- من خروج ملايين المصريين إلى الشوارع في الأيام الأخيرة لاسترداد دولتهم.
ولا ينبغي أن يفرح أحد بخلع قائد منتخب من قبل جيش في بلد ما، لكن هذا ليس انقلاباً بالمعنى التقليدي ولا يستحق تعليق المساعدات الأمريكية وفقاً لما ينص عليه القانون الأمريكي. وفي الواقع أن الجيش منع بشكل مؤكد وقوع حمامات دم كانت ستترك جروحاً في مصر على مدار عقود. إن اللافعل وعدم التدخل كان سيرقى إلى مرتبة العمل الإجرامي.
لكن مع عودة الجيش إلى الساحة، فسيكون من الأعمال الإجرامية كذلك أن تكرر الإدارة الأمريكية أخطاء الحلقة الماضية من الحكم العسكري، عندما تمت التضحية بكل شيء على مذبح الاستقرار. إن الفارس الأبيض الجديد الجنرال عبد الفتاح السيسي ليس أكثر ديمقراطية من طنطاوي، لكنه ربما يكون أكثر دهاء وحنكة. وتحتاج واشنطن أيضاً أن تكون أكثر حنكة ودهاء.
لقد قال أوباما مراراً وتكراراً إن الولايات المتحدة ترفض الخيار الزائف بين الديمقراطية أو الاستقرار؛ وهذا أكثر ما ينطبق على الوضع في مصر حالياً. ففي عالم ما بعد مرسي، يجب على واشنطن أن تضع سياسة يكون فيها دعمها لمصر مشروطاً ليس فقط باستمرار اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل لكن أيضاً باستمرار التحرك نحو بناء حكومة ديمقراطية تعددية تنتهج سياسات اقتصادية سليمة. وهذا يعني من الناحية العملية التعاطي بشكل أوسع نطاقاً مع كافة الأطياف السياسية المصرية، وليس فقط مع الحزب الحاكم؛ وتقديم دفاع لفظي قوي عن الأقليات (المسيحيون والبهائيون والشيعة)؛ وإعادة الاستثمار في برامج المجتمع المدني التي تساعد المصريين على ترجمة أنشطتهم في الشوارع إلى منظمة سياسية؛ وقيادة تجمع منضبط لـ "أصدقاء مصر" يَعِد بتقديم مساعدات مالية هائلة لكن فقط من أجل اتقاء تأثير التخفيضات المتأخرة في نظام الإعانات المتضخمة.
ومع تلطيخ سمعة الولايات المتحدة جراء التصور السائد بخنوعها لجماعة «الإخوان»، فستكون المرحلة التالية من العلاقات الأمريكية- المصرية عاصفة. لقد تضاءل نفوذ واشنطن لكنه لا يزال قائماً. إن مصر دولة ذات أهمية؛ فدعونا نتعامل مع الأمر بشكل صائب هذه المرة.
روبرت ساتلوف هو المدير التنفيذي لمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى.
الشهادة على انقلاب في مصر
وول ستريت جورنال
3 تموز/يوليو 2013
في نهاية الشارع الطويل المؤدي إلى قصر الرئاسة المصري في شمال القاهرة، انضم ملازم شرطة يرتدي الزي الرسمي إلى العديد من آلاف المحتجين بعد ظهر يوم الأربعاء للمطالبة بالإطاحة بالرئيس محمد مرسي. لقد كان ذلك مشهداً غريباً: فقد كانت قوات الشرطة المتعسفة سيئة السمعة في مصر من بين الأهداف الرئيسية لانتفاضة 2011 التي أطاحت بالرئيس حسني مبارك. والآن، بعد مرور عامين فقط، وقف رجال الشرطة في زيهم الرسمي بجوار العديد من المحتجين ذاتهم الذين كانوا في يوم ما هدفاً لغاز الشرطة المسيل للدموع.
قال لي الملازم "هذه أفضل ثورة تحدث في تاريخ بلادنا كلها، فقد جمعت كافة أطياف الشعب سوية -- الشرطة والجيش وجميع أبناء الشعب المصري والقضاة". فسألته، ولكن إذا لم يتنحى الرئيس مرسي، هل ستغادر الشوارع وتواصل الانصياع لأوامره؟ فرد الشرطي قائلاً "إذا لم يتنحى، فنحن لا زلنا مع الشعب".
إن مشاركة الشرطة الجريئة في الانتفاضة الجماهيرية التي حفزت الانقلاب العسكري للإطاحة بالسيد مرسي من السلطة بعدها بساعات فقط تعكس الطبيعة غير الديمقراطية على الإطلاق للمستجدات السياسية هذا الأسبوع في مصر. بيد يظهر تمرد ضباط الشرطة أيضاً السبب الحقيقي الذي جعل انهيار حكومة مرسي أمراً حتمياً: لم يمارس السيد مرسي عملياً أية سيطرة حقيقية على مؤسسات الدولة، ولا سيما الجيش والشرطة، وكان على نحو متزايد مجرد رئيس في الإسم فقط.
وجاءت نقطة التحول في رئاسة السيد مرسي في 22 تشرين الثاني/نوفمبر، عندما منح نفسه صلاحيات تنفيذية مطلقة من خلال إعلان دستوري، وقيامه بعد أسابيع من ذلك بتمرير دستور إسلامي والتصديق عليه. وعندما اندلعت احتجاجات جماهيرية رداً على ذلك، أرسل السيد مرسي وزملائه من «الإخوان المسلمين» كوادر «الجماعة» لمهاجمة المحتجين، الأمر الذي أدى إلى مقتل سبعة أشخاص.
وفي "ميدان التحرير" يوم الثلاثاء قالت لي ماجدة يعقوب، واحدة من بين المحتجين في أواخر الخمسين من عمرها، "كان الدستور النقطة الفاصلة". ووافقتها الرأي إمرأة كانت جالسة على كرسي من البلاستيك بجوارها. وأضافت "كان ذلك هو اليوم الذي قررنا فيه أنه لم يعد بوسعنا تحمل الموقف". وهذا موقف منتشر على نطاق واسع: فخلال الأشهر التالية، كانت الاحتجاجات الضخمة، والعنيفة في كثير من الأحيان متكررة كما كانت واسعة النطاق. وبحلول كانون الثاني/يناير، أرغمت الاضطرابات المتصاعدة الجيش على فرض السيطرة على مدن قناة السويس.
أما جماعة «الإخوان» فتحدّث نفسها برواية مختلفة تماماً، وخيالية إلى حد كبير. إذ ترى «الجماعة» أن السيد مرسي ورث وضعاًيكون مستحيلاً لدى توليه السلطة، وتآمر ضده ائتلاف واسع من القوى سيئة السمعة لضمان فشله.
وصباح يوم الأربعاء، قال لي مسؤول العلاقات الخارجية في الحزب السياسي لجماعة «الإخوان المسلمين» محمد سودان، "بعضهم أناس لا يفهمون ما يجري. وهناك الإعلام كذلك... بعضهم يكرهون المسلمين. بعضهم مسيحيون يخشون من سلطة المسلمين، أو كون المسلمين في السلطة. وبعضهم -- الأغلبية -- هم من النظام السابق".
وقد دأب أعضاء «الإخوان المسلمين» بشكل روتيني خلال الأسابيع الأخيرة على إخباري بأنه رغم الوقوف في طوابير الغاز لساعات طويلة وانقطاع التيار الكهربائي المتكرر يومياً وارتفاع أسعار الغذاء، إلا أن السيد مرسي كان في الواقع رئيساً ناجحاً.
وأخبرني عضو في جماعة «الإخوان» قبل بضعة أسابيع بينما كنا نحتسي الشاي في مكاتب «الجماعة» في أحد الأحياء الهادئة في القاهرة "تحسنت المعيشة لمعظم الناس. فقد أصبح الفقراء يكسبون الكثير من المال. كما أن الطبقة الوسطى هي الأخرى أفضل حالاً بكثير. بيد أن المشكلة تكمن في أن بعض الأثرياء لا يكسبون القدر الكافي من المال مثلما اعتادوا من قبل، وهم يمولون الحملة ضد الرئيس".
و زاد إيمان «الإخوان» يوم الأحد بأن السيد مرسي هو ضحية معارضيه، عندما تدفق ملايين المصريين إلى الشوارع للمطالبة بعزله. ورداً على الوضع، نظمت «الجماعة» معسكراً احتجاجياً خاصاً بها خارج مسجد "رابعة العدوية" في شمال القاهرة. وقد تم نقل أعضاء «الإخوان المسلمين» بالحافلات من جميع انحاء البلاد لتعزيز أعدادهم. وعندما رفضت الشرطة حماية مقار «الإخوان»، التي تعرضت لاحقاً للنهب والحرق، بدأت «الجماعة» تنظيم كوادرها في شكل وحدات حراسة متنقلة وزودتهم بالخوذ والهراوات.
وأخبرني أحد أعضاء «الجماعة» عماد مصطفى من الفيوم، وهي مدينة جنوب غرب القاهرة قائلاً "سوف نظل ثابتين إلى حين امتلاك مرسي للسلطة الكاملة أو نلقى حتفنا".
لكن بعيداً عن استعراض القوة، عزز رد «الجماعة» على الاحتجاجات المناهضة لمرسي من العجز الكامل لـ «الإخوان». فرغم ما تشتهر به «الجماعة» من سمعة في القدرة على حشد أعداد غفيرة من المناصرين، إلا أن «الإخوان» لم يتمكنوا سوى من شغل ميدان عام واحد. وفي غضون ذلك، اجتاحت آلاف لا تحصى ولا تعد من الناس ميدانَيْن في القاهرة وحدها، وعشرات الميادين الأخرى في المدن والبلدات في جميع أنحاء مصر.
كما أن كتائب الهواة التابعة لـ «الجماعة»، والتي يصفونها بأنها ميليشيات تهديدية، لم تكد تبث الرعب في قلوب المعارضين. وقد حمل بعض من قد يكونوا من المقاتلين فروع الأشجار بدلاً من الهراوات. ففي إحدى التشكيلات التي رأيتها خارج مسجد "رابعة العدوية"، كانت المجموعة بقيادة عضو من «الإخوان» لا يكاد طوله يتجاوز الأربعة أقدام.
وفي الاحتجاجات المناهضة لمرسي طوال يوم الأربعاء، كان المناخ مبهجاً. وأخبرني أحد المحتجين يدعى عادل ميكل بعد الظهر في «ميدان التحرير»، وسط أجواء احتفالية شملت ضرب الطبول والنفخ في الأبواق وتناول الكثير من الفشار قائلاً، "سوف ننهي اللعبة. سوف يكون اليوم هو الأخير".
وعندما أعلن وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي عن الإطاحة بالسيد مرسي في ذلك المساء، ملأ الناس في "ميدان التحرير" الدنيا صخباً واحتفالاً. فقد تعانق الرجال في الفندق الذي شاهدت فيه الإعلان. ومع استبعاد أول رئيس إسلامي لمصر من المشهد، همس رجل في منتصف العمل لنفسه قائلاً "الله أكبر".
وقبل عام واحد فقط، شاهدت احتفالاً مختلفاً تماماً في "ميدان التحرير" -- احتفالاً شهد صيحات "الله أكبر" كانت أكثر شغفاً وقوة -- عندما أُعلن فوز مرسي بالانتخابات الرئاسية في مصر عام 2012. فقد سعت الحشود التي اكتظ بها الميدان في ذلك اليوم إلى تطبيق مشروع ثيوقراطي لا تخطئه العين. وحقيقة أن السيد مرسي لم يحقق سوى تقدماً يسيراً في تطبيق الشريعة ربما يكون الإخفاق الأجدر بالملاحظة خلال فترة ولايته.
إن كلمة "الفشل" -- التي كان المحتجون يوم الأربعاء يصيحون بها عند وصف السيد مرسي -- مهدت الظروف التي جعلت الدفاع عن رئاسته أمراً متعذراً ودفعت مصر في النهاية إلى حافة الهاوية. إن الطريقة غير الديمقراطية التي أطيح بها سوف تعقّد بشكل كبير من الجهود الرامية إلى بناء توافق في الآراء في مصر خلال الأيام والشهور القادمة. ولكن في ضوء نطاق المشاكل التي تواجهها مصر، فإن مصير الديمقراطية لم يكن يشغل مساحة كبيرة في عقول المحتجين الذين ساعدوا على إسقاط رئيس.
إريك تراجر هو زميل الجيل القادم في معهد واشنطن.


__________________________________________________ __________
المقال الخامس والسادس الأخيرين

تنبيه سياسي
إيران تخسر رهانها في مصر
8 تموز/يوليو 2013
يُلقي انهيار حكومة مرسي بظلاله على تحديات جديدة تواجهها إيران في وقت تعرضت فيه سمعتها في الشرق الأوسط إلى العديد من الضربات الموجعة من جميع الاتجاهات. فعلى مدى العامين الماضيين، سعت إيران إلى وضع حبكة بديلة لقصة "الربيع العربي" تبلورت في مصطلح آية الله علي خامنئي "الصحوة الإسلامية". وتصف هذه الرواية الاضطرابات التي وقعت في تونس وليبيا ومصر والبحرين على أنها حركة كفاح ضد الغرب ألهمتها الثورة الإيرانية التي اندلعت عام 1979 وتهدف إلى إنشاء حكومات إسلامية تحاكي في منظومتها الطراز الإيراني.
ومع ذلك، فقد أفسدت التطورات المتلاحقة في سوريا والبحرين ومصر الحبكة الإيرانية. كما أن رد فعل إيران إزاء الاحتجاجات في البحرين أصاب الشيعة في جميع أنحاء المنطقة بخيبة الأمل، لأن وعودها لم تتجاوز الكلمات، ولأنها ساعدت حكام الجزيرة السنة على تصوير الانتفاضة على أنها صراع طائفي وليس حراكاً ديمقراطياً. وإبان ذلك، فقد ساهم دعم طهران الصريح للحكومة السورية -- وسط إراقة دماء هائلة -- في إلحاق الضرر البليغ بصورة الجمهورية الإسلامية في أوساط العالم الإسلامي.
وفي سياق متصل، فإن فشل حكومة «الإخوان المسلمين» في مصر يمثل ضربة كبيرة أخرى لطهران. فقد قام الزعماء الإيرانيون بقطع العلاقات الدبلوماسية مع القاهرة في وقت سابق بعد توقيع الأخيرة معاهدة سلام مع إسرائيل عام 1979، وغالباً ما تعارضت السياسات المصرية اللاحقة مع مخططات طهران. على سبيل المثال، إن دعم الجمهورية الإسلامية العسكري والمالي طويل الأمد لحركة «حماس» منح النظام الإيراني نفوذاً في الأراضي الفلسطينية وما وراءها، لكن معارضة حكومة مبارك للحركة هدد هذا النفوذ. وتبعاً لذك، فقد حاولت طهران تحسين علاقاتها مع جماعة «الإخوان المسلمين» وإيجاد أرضية مشتركة مع الجماعات الإسلامية داخل مصر وخارجها. وقد نجح «الإخوان المسلمون»، الذي خلفوا مبارك، في إقناع طهران بإمكانية مد جسور التعاون مع الجماعة مع اختلافاتها العقائدية والسياسية، واستئناف العلاقات الطبيعية مع مصر وتقوية موقفها في غزة والمنطقة في النهاية.
غير أن جماعة «الإخوان المسلمين» فشلت في تلبية توقعات إيران، باعتراضها على موقف طهران من سوريا، ومن ثم فشلت في إحكام قبضتها على المستوى المحلي. والآن بما أن خصوم الجماعة -- بما في ذلك السلطات العسكرية والعلمانية والإسلامية والمسيحية -- قاموا بحشد الجماهير وعزل مرسي، فقد أصبحت إيران في وضع لا تحسد عليه: فمن غير المحتمل أن تجد طهران أي حلفاء بين اللاعبين السياسيين في مصر في المستقبل القريب. وعلاوةً على ذلك، فإن حبكة "الصحوة الإسلامية" أخذت تفقد جوهرها وتصبح في غير محلها وباتت غير مقنعة لكل من الشعب الإيراني والمسلمين المؤيدين لطهران في بلدان أخرى.
وإذا مضينا قدماً، فإن فكرة التقارب مع القاهرة ستظل حلماً بعيد المنال لطهران على الأرجح، حيث اتخذت كل القوى المناوئة لـ «الإخوان المسلمين» موقفاً أكثر تشدداً تجاه الجمهورية الإسلامية، وذلك على عكس سايسة حكومة مرسي. وفي الوقت نفسه، فإن النفوذ الإيراني على الفلسطينيين سيصبح أكثر ضآلة، ليس فقط لأن علاقة «حماس» مع طهران تزداد سوءاً، بل أيضاً لأن الحكم العسكري في مصر سيجعل من الصعب جداً على إيران إرسال مساعدات إلى غزة عبر الحدود المصرية. وبصورةٍ أكثر عمومية، فإن الكثيرين سيفسرون عزل «الإخوان المسلمين» على أنه فشلاً للإسلام السياسي الذي لطالما شجعته طهران.
مهدي خلجي هو زميل أقدم في معهد واشنطن.
المرصد السياسى
الأصدقاء الأعداء اللدودين: الصراع والتعاون بين السنة والشيعة
ديفيد شينكر
30 أيار/مايو 2013
في خطابه في 25 أيار/مايو، وصف زعيم «حزب الله» الشيعي اللبناني، حسن نصر الله، المنظمة السنية تنظيم «القاعدة» بأنها جزء من "محور" تقوده الولايات المتحدة داخل سوريا. وعلى مدى العامين الماضيين، أصبحت سوريا ساحة قتال طائفي من خلال تأليب سكان الأكثرية السنية -- إلى جانب مئات الجهاديين الإقليميين والمملكة العربية السعودية وقطر وهما دولتان تحت الحكم السني -- ضد نظام بشار الأسد العلوي الشيعي اسماً ومؤيديه الشيعة إيران و «حزب الله». وفي الوقت ذاته، تقوم الرياض بإلقاء القبض على رجال الدين الشيعة في المنطقة الشرقية من المملكة بتهمة التجسس لصالح إيران. وفي الأردن، توقع الملك عبد الله أن "الصراع الطائفي الطويل" في سوريا ستكون له "عواقب كارثية على المنطقة لأجيال قادمة". وقد رأت دراسة أصدرتها "مؤسسة بروكينغز" في نيسان/أبريل، أن الطائفية تحل محل الصراع العربي الإسرائيلي كجانب التعبئة الأبرز بالنسبة للعرب.
وفي الواقع، ربما تكون السمة المميزة للصحوة العربية منذ عام 2011 هي عودة التوترات بين السنة والشيعة في الشرق الأوسط. وقد ظل هذان الفرعان من الإسلام يتقاتلان من أجل الهيمنة السياسية والدينية منذ القرن السابع، واليوم، نجد العنف يثبت أقدامه بين طوائف المسلمين وينتشر من سوريا إلى العراق والبحرين والمملكة العربية السعودية وباكستان وأماكن أخرى. بيد، على الرغم من العداءات العميقة والصراعات والمنافسات، فقد أظهر السنة والشيعة قدرة على التعاون فيما بينهم، لاسيّما ضد الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة.
التعاون الإسلامي
في السنوات الأخيرة، وجد الإسلاميون والحكومات من السنة والشيعة بعض القضايا المشتركة في عدد من المناسبات.
إيران و تنظيم «القاعدة». منذ عقد مضى، كان المتطرفون السنة والشيعة يعملون معاً بنشاط لاستهداف الولايات المتحدة. وقد عَبَر العديد من منفذي هجمات الحادي عشر من أيلول/سبتمبر التسعة عشر من إيران في طريقهم إلى أمريكا، ولاحقاً -- حتى مع قيام تنظيم «القاعدة» السني بتنفيذ أعمال تطهير تستهدف "الكفار" الشيعة في العراق -- كانت طهران توفر الملاذ الآمن لمئات من عاملي «التنظيم» وقادته. وقد تأكد أن هذه العلاقات كانت حاسمة في مساعدة إيران على تقويض الاحتلال الأمريكي في العراق المجاور. وبالمثل، أقامت طهران علاقة مع حركة الطالبان السنية في أفغانستان بهدف تخريب الجهود الأمريكية لإرساء الاستقرار خلال فترة ما بعد الحرب.
«حماس» وإيران. كوّنت الأطراف الفاعلة المتطرفة من السنة والشيعة أيضاً تحالفات مناهضة لإسرائيل. فقد جمعت العداوة المتأصلة تجاه الدولة اليهودية بين إيران الشيعية والمنظمة الإرهابية السنية «حماس» على مدار سنوات، حيث قامت طهران بتوفير التدريب والدعم اللوجستي ومئات الملايين من الدولارات إلى الجماعة الفلسطينية، على الأقل منذ عام 1995. ويقيناً أن العلاقات بينهما قد شهدت بعض مؤشرات الشد والجذب في الآونة الأخيرة. ففي عام 2011، قامت «حماس» بإخلاء مكاتبها في دمشق احتجاجاً على قتل نظام الأسد المدعوم من إيران لآلاف السوريين أغلبهم من السنة. ولكن بمعرفة مدى البغض المشترك والدائم الذي يكنه الطرفان لإسرائيل، يمكن القول إن هذا الوضع ربما لا يكون سوى خلاف مؤقت.
وفي الواقع، قبل عام فقط من اندلاع القتال في سوريا، شرع مفكرون من حركة «حماس» -- في جوهرها الفرع الفلسطيني لـ جماعة «الإخوان المسلمين» -- في مسعى لتذليل الحواجز الأيديولوجية التي تقوِّض العلاقات السنية الشيعية. وفي عام 2010، أصدر وزير خارجية «حماس» أحمد يوسف كتيباً بعنوان "«الإخوان المسلمون» والثورة الإسلامية في إيران" سعى فيه إلى التوفيق بين رؤى مؤسس «الإخوان المسلمين» حسن البنا وزعيم الثورة الإيرانية في عام 1979 آية الله روح الله الخميني. وقد أبرز البحث الإعجاب المتبادل الذي يكنه «الإخوان المسلمون» وطهران لمهندس الحركة الجهادية العصرية، سيد قطب، بالإضافة إلى هدفهما المشترك المتمثل في تأسيس دولة إسلامية عليا تقوم على مبادئ الشريعة. وقد كتب يوسف بأنه "ليس هناك مفر من التغلب على الصراعات بين السنة والشيعة"، مضيفاً بأن "هذه الصراعات لا ترقى إلى أن تمثل تناقضاً دينياً".
مصر وإيران. لم تغب رسالة يوسف أيضاً عن الرئيس المصري محمد مرسي وإدارته من جماعة «الإخوان المسلمين». فعلى الرغم من الحرب الباردة القائمة منذ حين بين مصر وإيران -- والتي تعود إلى معاهدة السلام التي وقعتها القاهرة مع إسرائيل عام 1979، وأعقبها بعد ذلك بعامين احتفال طهران باغتيال الرئيس السابق أنور السادات الذي وقع على معاهدة السلام -- اختار مرسي التوجه إلى إيران في زيارته الثانية لدولة غير عربية. ولم يكن مرسي مهتماً بشكل واضح من مضيفيه الشيعة؛ وكان الغرض الظاهري من جولته السريعة في آب/أغسطس 2012 هو تسليم رئاسة "حركة عدم الانحياز" إلى الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد. إلا أن الرسالة الواضحة من تلك الزيارة هي الزيارة نفسها. وكما ذكر مستشار مرسي جهاد الحداد في وقت لاحق، فإن مصر تحت حكم «الإخوان المسلمين» ستقوم بـ "بناء علاقات جديدة وتحديد أدوار جديدة" مع إيران.
مصر و «حزب الله». ينطبق هذا المسار أيضاً على الميليشيا الشيعية «حزب الله» في لبنان، التي أسستها إيران في أوائل الثمانينات. وخلال الأعوام الأخيرة، انخرطت الجماعة في أعمال عنف طائفي تمثلت باغتيال الزعيم السني اللبناني رفيق الحريري عام 2005، وإلقاء القبض على تسعة وأربعين من عناصرها العاملة في سيناء في أواخر 2008. ومع ذلك، فقد قلَب مرسي سياسة مصر القائمة منذ فترة طويلة، ويعمل حالياً على بناء "علاقة" مع هذا التنظيم المسلح، وفقاً لمبعوث القاهرة في بيروت.
وفي نظر «الإخوان»، كان تعهد «حزب الله» بمواجهة إسرائيل سبباً لتصنيف الحزب ضمن فئة فريدة من الشيعة على مدار فترة طويلة. وفي عام 2006، عندما هاجم «حزب الله» إسرائيل أثناء شن الأخيرة غارة على قطاع غزة، عرض المرشد العام لـ «الإخوان» محمد مهدي عاكف نشر المقاتلين إلى جانب أفراد التنظيم المسلح في لبنان. وفي عام 2009، بعد أشهر قليلة من القبض على أعضاء تابعين لـ «حزب الله» على الأراضي المصرية أثناء تهريبهم الأسلحة إلى «حماس»، أشاد عاكف علناً ​​بزعيم الجماعة حسن نصر الله لـ "دعمه المقاومة..... ومساعدته الفلسطينيين".
وعلى الرغم من ذلك، فإن الكراهية القديمة لا تزول بسهولة. فعندما زار الرئيس الإيراني أحمدي نجاد القاهرة في شباط/فبراير، تم استقباله برشق الأحذية من جانب مجموعة من المحتجين الغاضبين من دعم طهران القوي لنظام الأسد. وبعد ذلك، خلال مقابلة بالأزهر، تلك المؤسسة البارزة التي ترعى التعليم الديني على المذهب السني، وجَّه رجال الدين النقد علناً لإيران لتدخلها في البحرين وتشجيعها على نشر المذهب الشيعي في مصر. وفي الآونة الأخيرة، في 15 آذار/مارس، أقام السلفيون المصريون مظاهرة كبيرة في "ميدان التحرير" لاستنكار "التطبيع" مع إيران والإسلام الشيعي، والتهديد بـ"تصعيد الأمر" إذا استمر «الإخوان المسلمون» في تطوير هذه العلاقة.
ومن غير الواضح إذا ما كان تقارب مرسي مع إيران هو بدافع الميل نحو معاداة إسرائيل أم بسبب عوامل أخرى. فعلى غرار زيارته إلى الصين، يمكن أن يمثل تقاربه مع الجمهورية الإسلامية رغبة في تنويع مصادر المساعدة الأجنبية من خلال إبعاد مصر عن تحالفها الاستراتيجي على مدار ثلاثة عقود مع واشنطن.
المصالح الدائمة لإيران
على الرغم من أن الأيديولوجية المعادية لـ الولايات المتحدة/إسرائيل كانت توفر تاريخياً الكثير من الزخم للتعاون بين الأصوليين من السنة والشيعة، إلا أن ثمة دافع آخر لا يقل أهمية لطالما كان -- وسوف يظل -- واقعاً براغماتياً جيداً وقديم الطراز. فبالنسبة لطهران على وجه الخصوص، يشكل موضوع استقطاب السنة تحوطاً استراتيجياً ووسيلة لنشر الثورة الإسلامية.
ولنتذكر أنه أثناء الحرب الإيرانية- العراقية خلال فترة الثمانينات -- في الوقت الذي كانت فيه إيران تقوم بتأسيس «حزب الله» وسط تزايد التوتر بين السنة والشيعة في المنطقة -- كانت طهران تدعم أيضاً الميليشيا السنية اللبنانية "حركة التوحيد الإسلامي". وكان ذلك القرار يستند في جانب منه إلى الاتفاق الواضح في المصالح: فلقد كان التنظيم المسلح يتواجد في طرابلس التي تشكل معقلاً من معاقل السنة، ولذا سعى التنظيم لتوحيد السنة والشيعة بتوجيههم نحو وضع هدف إعادة بناء دولة إسلامية عليا نصب أعينهم وفق النمط الذي انتهى مع سقوط الإمبراطورية العثمانية. وفي الوقت ذاته، كانت إيران تأمل في توسيع شبكة عملائها في لبنان من غير الشيعة.
تعد المخاوف المحلية الإيرانية من بين العوامل الأخرى المؤثرة أيضاً. فاليوم، يشكل السنة 10 في المائة من تعداد السكان، وهي الطائفة الأسرع نمواً في إيران، حيث يقدَّر معدل الإنجاب لديهم إلى سبعة أطفال لكل أسرة مقارنة بمعدل يقل عن طفلين لدى الأسر الشيعية. ولا شك في أن النظام ينظر إلى الإيرانيين السنة كمصدر تهديد ديموغرافي على المدى الطويل، بحيث ربما يكون عليهم التحرك بشكل استباقي لمواجهته عن طريق عقد مصالحة مذهبية كبرى. إلا أن أي جهود للتواصل من هذا القبيل تُركز حالياً على خارج الجمهورية الإسلامية بدلاً من داخل إيران، حيث لا يزال يُنظر إلى السنة بعين الشك والسخرية (على سبيل المثال، ليس لدى ما يقرب من مليوني سني في طهران مسجد خاص بهم).
الخلاصة
يركز العديد من الإسلاميين في الشرق الأوسط، حتى في ذروة الصراعات الطائفية، على السيطرة على الاختلافات المذهبية من أجل تحقيق الهدف صعب المنال المتمثل في إعادة إقامة دولة إسلامية عليا. إذ لا يزال هناك عدد من العقبات الكبيرة التي تحول دون تحقيق هذا الحلم، من بينها الحركة السلفية المتطرفة المزدهرة في المنطقة والسؤال عما إذا كان الفقه السني أم الشيعي هو الذي سيسود في نهاية الأمر داخل تلك الدولة. وعلى أي حال، فإن الفرص بعيدة لظهور مرحلة تاريخية تجمع شمل السنة والشيعة على المدى القريب نظراً للديناميات الإقليمية الحالية.
ومن جانبها فإن إدارة أوباما، العازمة على إعادة التوازن إلى سياسة الولايات المتحدة تجاه آسيا، من المرجح أن تختار مشاهدة تدهور العلاقة بين السنة والشيعة من بعيد. لكن على واشنطن ألا تندهش إذا ما خرجت فصائل معادية من بين هؤلاء الأصدقاء الأعداء اللدودين ووجدت أرضية مشتركة كافية لإشهار التحدي مرة أخرى ضد مصالح الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. وكما يقول المثل العربي -- وتشير السوابق التاريخية -- عندما يتعلق الأمر بالعلاقات بين السنة والشيعة، فإن الأوضاع تشبه المقولة "أنا وأخي على ابن عمي وأنا وابن عمي على الغريب".
ديفيد شينكر هو زميل أوفزين ومدير برنامج السياسة العربية في معهد واشنطن.


__________________________________________________ __________
المقال الخامس والسادس الأخيرين



تنبيه سياسي

إيران تخسر رهانها في مصر


8 تموز/يوليو 2013

يُلقي انهيار حكومة مرسي بظلاله على تحديات جديدة تواجهها إيران في وقت تعرضت فيه سمعتها في الشرق الأوسط إلى العديد من الضربات الموجعة من جميع الاتجاهات. فعلى مدى العامين الماضيين، سعت إيران إلى وضع حبكة بديلة لقصة "الربيع العربي" تبلورت في مصطلح آية الله علي خامنئي "الصحوة الإسلامية". وتصف هذه الرواية الاضطرابات التي وقعت في تونس وليبيا ومصر والبحرين على أنها حركة كفاح ضد الغرب ألهمتها الثورة الإيرانية التي اندلعت عام 1979 وتهدف إلى إنشاء حكومات إسلامية تحاكي في منظومتها الطراز الإيراني.

ومع ذلك، فقد أفسدت التطورات المتلاحقة في سوريا والبحرين ومصر الحبكة الإيرانية. كما أن رد فعل إيران إزاء الاحتجاجات في البحرين أصاب الشيعة في جميع أنحاء المنطقة بخيبة الأمل، لأن وعودها لم تتجاوز الكلمات، ولأنها ساعدت حكام الجزيرة السنة على تصوير الانتفاضة على أنها صراع طائفي وليس حراكاً ديمقراطياً. وإبان ذلك، فقد ساهم دعم طهران الصريح للحكومة السورية -- وسط إراقة دماء هائلة -- في إلحاق الضرر البليغ بصورة الجمهورية الإسلامية في أوساط العالم الإسلامي.

وفي سياق متصل، فإن فشل حكومة «الإخوان المسلمين» في مصر يمثل ضربة كبيرة أخرى لطهران. فقد قام الزعماء الإيرانيون بقطع العلاقات الدبلوماسية مع القاهرة في وقت سابق بعد توقيع الأخيرة معاهدة سلام مع إسرائيل عام 1979، وغالباً ما تعارضت السياسات المصرية اللاحقة مع مخططات طهران. على سبيل المثال، إن دعم الجمهورية الإسلامية العسكري والمالي طويل الأمد لحركة «حماس» منح النظام الإيراني نفوذاً في الأراضي الفلسطينية وما وراءها، لكن معارضة حكومة مبارك للحركة هدد هذا النفوذ. وتبعاً لذك، فقد حاولت طهران تحسين علاقاتها مع جماعة «الإخوان المسلمين» وإيجاد أرضية مشتركة مع الجماعات الإسلامية داخل مصر وخارجها. وقد نجح «الإخوان المسلمون»، الذي خلفوا مبارك، في إقناع طهران بإمكانية مد جسور التعاون مع الجماعة مع اختلافاتها العقائدية والسياسية، واستئناف العلاقات الطبيعية مع مصر وتقوية موقفها في غزة والمنطقة في النهاية.

غير أن جماعة «الإخوان المسلمين» فشلت في تلبية توقعات إيران، باعتراضها على موقف طهران من سوريا، ومن ثم فشلت في إحكام قبضتها على المستوى المحلي. والآن بما أن خصوم الجماعة -- بما في ذلك السلطات العسكرية والعلمانية والإسلامية والمسيحية -- قاموا بحشد الجماهير وعزل مرسي، فقد أصبحت إيران في وضع لا تحسد عليه: فمن غير المحتمل أن تجد طهران أي حلفاء بين اللاعبين السياسيين في مصر في المستقبل القريب. وعلاوةً على ذلك، فإن حبكة "الصحوة الإسلامية" أخذت تفقد جوهرها وتصبح في غير محلها وباتت غير مقنعة لكل من الشعب الإيراني والمسلمين المؤيدين لطهران في بلدان أخرى.

وإذا مضينا قدماً، فإن فكرة التقارب مع القاهرة ستظل حلماً بعيد المنال لطهران على الأرجح، حيث اتخذت كل القوى المناوئة لـ «الإخوان المسلمين» موقفاً أكثر تشدداً تجاه الجمهورية الإسلامية، وذلك على عكس سايسة حكومة مرسي. وفي الوقت نفسه، فإن النفوذ الإيراني على الفلسطينيين سيصبح أكثر ضآلة، ليس فقط لأن علاقة «حماس» مع طهران تزداد سوءاً، بل أيضاً لأن الحكم العسكري في مصر سيجعل من الصعب جداً على إيران إرسال مساعدات إلى غزة عبر الحدود المصرية. وبصورةٍ أكثر عمومية، فإن الكثيرين سيفسرون عزل «الإخوان المسلمين» على أنه فشلاً للإسلام السياسي الذي لطالما شجعته طهران.


مهدي خلجي هو زميل أقدم في معهد واشنطن.


المرصد السياسى

الأصدقاء الأعداء اللدودين: الصراع والتعاون بين السنة والشيعة

ديفيد شينكر


30 أيار/مايو 2013

في خطابه في 25 أيار/مايو، وصف زعيم «حزب الله» الشيعي اللبناني، حسن نصر الله، المنظمة السنية تنظيم «القاعدة» بأنها جزء من "محور" تقوده الولايات المتحدة داخل سوريا. وعلى مدى العامين الماضيين، أصبحت سوريا ساحة قتال طائفي من خلال تأليب سكان الأكثرية السنية -- إلى جانب مئات الجهاديين الإقليميين والمملكة العربية السعودية وقطر وهما دولتان تحت الحكم السني -- ضد نظام بشار الأسد العلوي الشيعي اسماً ومؤيديه الشيعة إيران و «حزب الله». وفي الوقت ذاته، تقوم الرياض بإلقاء القبض على رجال الدين الشيعة في المنطقة الشرقية من المملكة بتهمة التجسس لصالح إيران. وفي الأردن، توقع الملك عبد الله أن "الصراع الطائفي الطويل" في سوريا ستكون له "عواقب كارثية على المنطقة لأجيال قادمة". وقد رأت دراسة أصدرتها "مؤسسة بروكينغز" في نيسان/أبريل، أن الطائفية تحل محل الصراع العربي الإسرائيلي كجانب التعبئة الأبرز بالنسبة للعرب.

وفي الواقع، ربما تكون السمة المميزة للصحوة العربية منذ عام 2011 هي عودة التوترات بين السنة والشيعة في الشرق الأوسط. وقد ظل هذان الفرعان من الإسلام يتقاتلان من أجل الهيمنة السياسية والدينية منذ القرن السابع، واليوم، نجد العنف يثبت أقدامه بين طوائف المسلمين وينتشر من سوريا إلى العراق والبحرين والمملكة العربية السعودية وباكستان وأماكن أخرى. بيد، على الرغم من العداءات العميقة والصراعات والمنافسات، فقد أظهر السنة والشيعة قدرة على التعاون فيما بينهم، لاسيّما ضد الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة.

التعاون الإسلامي

في السنوات الأخيرة، وجد الإسلاميون والحكومات من السنة والشيعة بعض القضايا المشتركة في عدد من المناسبات.

إيران و تنظيم «القاعدة». منذ عقد مضى، كان المتطرفون السنة والشيعة يعملون معاً بنشاط لاستهداف الولايات المتحدة. وقد عَبَر العديد من منفذي هجمات الحادي عشر من أيلول/سبتمبر التسعة عشر من إيران في طريقهم إلى أمريكا، ولاحقاً -- حتى مع قيام تنظيم «القاعدة» السني بتنفيذ أعمال تطهير تستهدف "الكفار" الشيعة في العراق -- كانت طهران توفر الملاذ الآمن لمئات من عاملي «التنظيم» وقادته. وقد تأكد أن هذه العلاقات كانت حاسمة في مساعدة إيران على تقويض الاحتلال الأمريكي في العراق المجاور. وبالمثل، أقامت طهران علاقة مع حركة الطالبان السنية في أفغانستان بهدف تخريب الجهود الأمريكية لإرساء الاستقرار خلال فترة ما بعد الحرب.

«حماس» وإيران. كوّنت الأطراف الفاعلة المتطرفة من السنة والشيعة أيضاً تحالفات مناهضة لإسرائيل. فقد جمعت العداوة المتأصلة تجاه الدولة اليهودية بين إيران الشيعية والمنظمة الإرهابية السنية «حماس» على مدار سنوات، حيث قامت طهران بتوفير التدريب والدعم اللوجستي ومئات الملايين من الدولارات إلى الجماعة الفلسطينية، على الأقل منذ عام 1995. ويقيناً أن العلاقات بينهما قد شهدت بعض مؤشرات الشد والجذب في الآونة الأخيرة. ففي عام 2011، قامت «حماس» بإخلاء مكاتبها في دمشق احتجاجاً على قتل نظام الأسد المدعوم من إيران لآلاف السوريين أغلبهم من السنة. ولكن بمعرفة مدى البغض المشترك والدائم الذي يكنه الطرفان لإسرائيل، يمكن القول إن هذا الوضع ربما لا يكون سوى خلاف مؤقت.

وفي الواقع، قبل عام فقط من اندلاع القتال في سوريا، شرع مفكرون من حركة «حماس» -- في جوهرها الفرع الفلسطيني لـ جماعة «الإخوان المسلمين» -- في مسعى لتذليل الحواجز الأيديولوجية التي تقوِّض العلاقات السنية الشيعية. وفي عام 2010، أصدر وزير خارجية «حماس» أحمد يوسف كتيباً بعنوان "«الإخوان المسلمون» والثورة الإسلامية في إيران" سعى فيه إلى التوفيق بين رؤى مؤسس «الإخوان المسلمين» حسن البنا وزعيم الثورة الإيرانية في عام 1979 آية الله روح الله الخميني. وقد أبرز البحث الإعجاب المتبادل الذي يكنه «الإخوان المسلمون» وطهران لمهندس الحركة الجهادية العصرية، سيد قطب، بالإضافة إلى هدفهما المشترك المتمثل في تأسيس دولة إسلامية عليا تقوم على مبادئ الشريعة. وقد كتب يوسف بأنه "ليس هناك مفر من التغلب على الصراعات بين السنة والشيعة"، مضيفاً بأن "هذه الصراعات لا ترقى إلى أن تمثل تناقضاً دينياً".

مصر وإيران. لم تغب رسالة يوسف أيضاً عن الرئيس المصري محمد مرسي وإدارته من جماعة «الإخوان المسلمين». فعلى الرغم من الحرب الباردة القائمة منذ حين بين مصر وإيران -- والتي تعود إلى معاهدة السلام التي وقعتها القاهرة مع إسرائيل عام 1979، وأعقبها بعد ذلك بعامين احتفال طهران باغتيال الرئيس السابق أنور السادات الذي وقع على معاهدة السلام -- اختار مرسي التوجه إلى إيران في زيارته الثانية لدولة غير عربية. ولم يكن مرسي مهتماً بشكل واضح من مضيفيه الشيعة؛ وكان الغرض الظاهري من جولته السريعة في آب/أغسطس 2012 هو تسليم رئاسة "حركة عدم الانحياز" إلى الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد. إلا أن الرسالة الواضحة من تلك الزيارة هي الزيارة نفسها. وكما ذكر مستشار مرسي جهاد الحداد في وقت لاحق، فإن مصر تحت حكم «الإخوان المسلمين» ستقوم بـ "بناء علاقات جديدة وتحديد أدوار جديدة" مع إيران.

مصر و «حزب الله». ينطبق هذا المسار أيضاً على الميليشيا الشيعية «حزب الله» في لبنان، التي أسستها إيران في أوائل الثمانينات. وخلال الأعوام الأخيرة، انخرطت الجماعة في أعمال عنف طائفي تمثلت باغتيال الزعيم السني اللبناني رفيق الحريري عام 2005، وإلقاء القبض على تسعة وأربعين من عناصرها العاملة في سيناء في أواخر 2008. ومع ذلك، فقد قلَب مرسي سياسة مصر القائمة منذ فترة طويلة، ويعمل حالياً على بناء "علاقة" مع هذا التنظيم المسلح، وفقاً لمبعوث القاهرة في بيروت.

وفي نظر «الإخوان»، كان تعهد «حزب الله» بمواجهة إسرائيل سبباً لتصنيف الحزب ضمن فئة فريدة من الشيعة على مدار فترة طويلة. وفي عام 2006، عندما هاجم «حزب الله» إسرائيل أثناء شن الأخيرة غارة على قطاع غزة، عرض المرشد العام لـ «الإخوان» محمد مهدي عاكف نشر المقاتلين إلى جانب أفراد التنظيم المسلح في لبنان. وفي عام 2009، بعد أشهر قليلة من القبض على أعضاء تابعين لـ «حزب الله» على الأراضي المصرية أثناء تهريبهم الأسلحة إلى «حماس»، أشاد عاكف علناً ​​بزعيم الجماعة حسن نصر الله لـ "دعمه المقاومة..... ومساعدته الفلسطينيين".

وعلى الرغم من ذلك، فإن الكراهية القديمة لا تزول بسهولة. فعندما زار الرئيس الإيراني أحمدي نجاد القاهرة في شباط/فبراير، تم استقباله برشق الأحذية من جانب مجموعة من المحتجين الغاضبين من دعم طهران القوي لنظام الأسد. وبعد ذلك، خلال مقابلة بالأزهر، تلك المؤسسة البارزة التي ترعى التعليم الديني على المذهب السني، وجَّه رجال الدين النقد علناً لإيران لتدخلها في البحرين وتشجيعها على نشر المذهب الشيعي في مصر. وفي الآونة الأخيرة، في 15 آذار/مارس، أقام السلفيون المصريون مظاهرة كبيرة في "ميدان التحرير" لاستنكار "التطبيع" مع إيران والإسلام الشيعي، والتهديد بـ"تصعيد الأمر" إذا استمر «الإخوان المسلمون» في تطوير هذه العلاقة.

ومن غير الواضح إذا ما كان تقارب مرسي مع إيران هو بدافع الميل نحو معاداة إسرائيل أم بسبب عوامل أخرى. فعلى غرار زيارته إلى الصين، يمكن أن يمثل تقاربه مع الجمهورية الإسلامية رغبة في تنويع مصادر المساعدة الأجنبية من خلال إبعاد مصر عن تحالفها الاستراتيجي على مدار ثلاثة عقود مع واشنطن.

المصالح الدائمة لإيران

على الرغم من أن الأيديولوجية المعادية لـ الولايات المتحدة/إسرائيل كانت توفر تاريخياً الكثير من الزخم للتعاون بين الأصوليين من السنة والشيعة، إلا أن ثمة دافع آخر لا يقل أهمية لطالما كان -- وسوف يظل -- واقعاً براغماتياً جيداً وقديم الطراز. فبالنسبة لطهران على وجه الخصوص، يشكل موضوع استقطاب السنة تحوطاً استراتيجياً ووسيلة لنشر الثورة الإسلامية.

ولنتذكر أنه أثناء الحرب الإيرانية- العراقية خلال فترة الثمانينات -- في الوقت الذي كانت فيه إيران تقوم بتأسيس «حزب الله» وسط تزايد التوتر بين السنة والشيعة في المنطقة -- كانت طهران تدعم أيضاً الميليشيا السنية اللبنانية "حركة التوحيد الإسلامي". وكان ذلك القرار يستند في جانب منه إلى الاتفاق الواضح في المصالح: فلقد كان التنظيم المسلح يتواجد في طرابلس التي تشكل معقلاً من معاقل السنة، ولذا سعى التنظيم لتوحيد السنة والشيعة بتوجيههم نحو وضع هدف إعادة بناء دولة إسلامية عليا نصب أعينهم وفق النمط الذي انتهى مع سقوط الإمبراطورية العثمانية. وفي الوقت ذاته، كانت إيران تأمل في توسيع شبكة عملائها في لبنان من غير الشيعة.

تعد المخاوف المحلية الإيرانية من بين العوامل الأخرى المؤثرة أيضاً. فاليوم، يشكل السنة 10 في المائة من تعداد السكان، وهي الطائفة الأسرع نمواً في إيران، حيث يقدَّر معدل الإنجاب لديهم إلى سبعة أطفال لكل أسرة مقارنة بمعدل يقل عن طفلين لدى الأسر الشيعية. ولا شك في أن النظام ينظر إلى الإيرانيين السنة كمصدر تهديد ديموغرافي على المدى الطويل، بحيث ربما يكون عليهم التحرك بشكل استباقي لمواجهته عن طريق عقد مصالحة مذهبية كبرى. إلا أن أي جهود للتواصل من هذا القبيل تُركز حالياً على خارج الجمهورية الإسلامية بدلاً من داخل إيران، حيث لا يزال يُنظر إلى السنة بعين الشك والسخرية (على سبيل المثال، ليس لدى ما يقرب من مليوني سني في طهران مسجد خاص بهم).

الخلاصة

يركز العديد من الإسلاميين في الشرق الأوسط، حتى في ذروة الصراعات الطائفية، على السيطرة على الاختلافات المذهبية من أجل تحقيق الهدف صعب المنال المتمثل في إعادة إقامة دولة إسلامية عليا. إذ لا يزال هناك عدد من العقبات الكبيرة التي تحول دون تحقيق هذا الحلم، من بينها الحركة السلفية المتطرفة المزدهرة في المنطقة والسؤال عما إذا كان الفقه السني أم الشيعي هو الذي سيسود في نهاية الأمر داخل تلك الدولة. وعلى أي حال، فإن الفرص بعيدة لظهور مرحلة تاريخية تجمع شمل السنة والشيعة على المدى القريب نظراً للديناميات الإقليمية الحالية.

ومن جانبها فإن إدارة أوباما، العازمة على إعادة التوازن إلى سياسة الولايات المتحدة تجاه آسيا، من المرجح أن تختار مشاهدة تدهور العلاقة بين السنة والشيعة من بعيد. لكن على واشنطن ألا تندهش إذا ما خرجت فصائل معادية من بين هؤلاء الأصدقاء الأعداء اللدودين ووجدت أرضية مشتركة كافية لإشهار التحدي مرة أخرى ضد مصالح الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. وكما يقول المثل العربي -- وتشير السوابق التاريخية -- عندما يتعلق الأمر بالعلاقات بين السنة والشيعة، فإن الأوضاع تشبه المقولة "أنا وأخي على ابن عمي وأنا وابن عمي على الغريب".


ديفيد شينكر هو زميل أوفزين ومدير برنامج السياسة العربية في معهد واشنطن.



__________________________________________________ __________
قطر حسبي الله ونعمة الوكيل

وهلكهاوهلك الإخون

ودور قطر وتركيا جاي

والأيام هتثبت صبرا قطر صبرا



تاريخ مصر ودول العربيه
عبث به العابثون،

بمسمى وخلاصه ختمت بها المقالات وكانت اكثر من رائعه
ﺍﻹ‌ﺭﻫﺎﺏ . ﻗﺎﻋﺪﺓ ﺇﺭﻫﺎﺑﻴﺔ ﻏﻴﺮ ﻭﻃﻨﻴﺔ ﺃﻭ ﻣﺘﻌﺪﺩﺓ ﺍﻟﺠﻨﺴﻴﺎﺕ . ﺣﺮﺏ ﻧﻔﺴﻴﺔ ﻣﺘﻄﻮﺭﺓ ﻟﻠﻐﺎﻳﺔ ﻣﻦ ﺧﻼ‌ﻝ*ﺍﻹ‌ﻋﻼ‌ﻡ *ﻭﺍﻟﺘﻼ‌ﻋﺐ ﺍﻟﻨﻔﺴﻲ . ﺗﺴﺘﺨﺪﻡ ﻛﻞ ﺍﻟﻀﻐﻮﻁ ﺍﻟﻤﺘﺎﺣﺔ - ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﻭﺍﻷ‌ﻗﺘﺼﺎﺩﻳﺔ ﻭﺍﻷ‌ﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻭﺍﻟﻌﺴﻜﺮﻳﺔ . ﺍﺳﺘﺨﺪﺍﻡ ﺗﻜﺘﻴﻜﺎﺕ ﺣﺮﻭﺏ ﺍﻟﻌﺼﺎﺑﺎﺕ ﻭﺍﻟﺘﻤﺮﺩ .

بارك الله فيك
والله ينصر المسلميين في كل مكان
لاني اكتشفت ان اليهود فيهم من الرحمه التي تجاوز بها العرب او للمصداقيه اكثر حكام العرب المسلمين
ع الاقل اليهود من رحمتهم يدافعون عن دينهم ويحمونه حتى من انفسهم
اما نحن نبعث بالدين ونسلكه بايادي ليست اهله له

والله يرحمنا بواسع رحمته

شكرالك مقالات جميله وجهد متعوب
عليه وجميل ان وضعت في كتاب
لعل تحيي ضمائر الامه يوما ما ...
وعجبي من امه تدين بشار وتحيي السيسي