صفعة القدر
رأتها اليوم عن طريق الصدفة عندما كانت تصطحب أطفالها إلى الحديقة العامة
في البداية لم تصدق عينيها ، أيعقل أن تلتقي بها بعد تلك الحقبة الطويلة من الزمن ؟
حدقت ملياً وتمتمت في نفسها : نعم إنها هي باسمة صديقة الطفولة والصبا
أجل إنها هي ، لطالما كانت ترافقها كل يوم إلى المدرسة ، وتمضيان معاً في دروب
الحياة ، وكم تقاسمتا الفرح والشجن .
هرعت إليها وكأنها عثرت على ضالتها المنشودة تقدمت منها وسلمت بلهفة
وكانت لحظات جميلة من عمر الزمن ، جلستا معاً على ذلك المقعد الخشبي
تسترجعان الذكريات ، وتقفان على الأطلال .
غادرت ليلى وهي في أشد حالات السعادة بعد أن دعتها لتناول طعام الغداء في بيتها
ولتعرفها بالوقت نفسه على أسرتها الصغيرة
في المساء بدأت تقص على زوجها حكايتها مع باسمة ، ومدى فرحها بذلك اللقاء
وكيف دعتها إلى الغداء
تمتم الزوج بعد أن قطب جبينه متى ستأتي ؟ أخبرته بالتفصيل الممل عما جرى
وأسهبت في وصف تلك الصديقة وكأنها ملاك هبط من السماء .
جاءت باسمة إلى الغداء ، تحمل في يدها علبة حلوى وبعض الألعاب للأطفال
قرعت الجرس فاستقبلتها الأسرة بالترحاب ، وقد بانت على شفاه الزوج ابتسامة خجولة
وهو يرحب بها وعيناه تقطران جمراً ، مضى ذلك اليوم وهم في أوج السعادة
دارت رحى الأيام وأصبحت باسمة فرداً من أفراد الأسرة ، تقاسمهم لقمة
عيشهم ولحظات حياتهم
لاسيما أنها كانت تعاني وحدة شديدة بعد وفاة والديها ، وهذا مادعا ليلى أن تقترح
عليها ترك مكان إقامتها ومشاركتهم منزلهم .
ومرت الحياة رتيبة وهي على نفس المنوال ، تذهب ليلى في الصباح إلى عملها
بعد أن توصل أولادها إلى مدارسهم
أما الزوج فمواظب هو الآخر على مكتبه إلى الساعة الثانية ، وفي طريق عودته
يجلب طلبات البيت من خضار ومواد غذائية
تقوم الزوجة بإعداد الطعام وقبل ذلك تتصل بباسمة لتؤكد وبإصرار دعوتها إلى الغداء .
وفي يوم من الأيام كانت ليلى في عملها فشعرت بدوار ومغص حاد ذهبت للمدير وطلبت
إجازة مرضية كي تذهب إلى أقرب طبيب
خرجت من عملها واتجهت نحو البيت لتجلب بطاقتها ، فتحت الباب فترامى
إلى سمعها ضجيج في غرفة نومها
أنصتت لبرهة من الزمن وصعقت للوهلة الأولى ، إنه زوجها يرافقه صوت نسائي
فتحت الباب ويا لهول المفاجأة كانت باسمة متمددة مع زوجها على سريرها
صعقت ووقعت مغشياً عليها
وحين أفاقت وجدت نفسها على كرسي الدّهشة
شعرت تلك اللحظة بسكينة حادة اخترقت فؤادها ، فخبأت وجهها بين يديها وأجهشت
بالبكاء ، حاملةً في قلبها خيبة أمل وهموماً بحجم الكون
اقترب الزوج منها واعترف بالحقيقة المرة قائلاً : سامحيني لقد أخطأت ولكن ليس
ذنبي فأنت من أتيت بها وجعلتيها واحدة منا
حتى أحببتها وتزوجتها بالخفاء ، أجل هي الآن زوجتي كما أنت .
لم تنبس الزوجة ببنت شفة ، ماذا ستقول بعد أن صفعتها يد القدر بالضربة القاضية
هل تلوم نفسها ؟
أم زوجها الذي خان العشرة وتزوج غيرها ، أم تلوم صديقة عمرها التي سرقت
منها زوجها ؟
طلبت منه الطلاق في الحال إثر لحظة انفعال ، وعندما هدأت فكرت ملياً وقالت : لقد
تزوجها وتم الأمر فلم يعد يجدي أي حل
ضمت أطفالها إليها وقد ماتت في قلبها جميع المشاعر، وأمضت حياتها
متحملةً وزر ما اقترفته يداها
وسط حزن عانق القلوب ، وابتسامة تحمل في طيّاتها الكثير من الوجع
كانت ترفض فكرة العودة إليه ، لكن عند لحظة التصالح مع ذاتها اعترفت
أنّ الخطأ كان خطأها
وفي كل يوم تقف ليلى أمام المرآة لتبحث عن عيبٍ في خلقها يجعل زوجها
يستبدلها بأعز الناس على قلبها
تمتمت في حسرة بينها وبين نفسها : كان ماحصل نتيجة حماقتي فهو في
النهاية رجل وأنا من أضرمت النار بيدي
أخذت تبحث عن أنوثتها فلم تجد إلا امرأةً أصبحت بقايا محطمة
اشتعلت ناراً ولم تتمالك نفسها عندها طلبت منه الخروج من حياتها
وعاشت في عزلة تامة عما حولها
بقلمي
لونا السعدي
[/BACKGROUND]