عنوان الموضوع : بلدة (( م )) والصمت قصة حقيقية
مقدم من طرف منتديات الشامل



(( ملحق ))

(( 1 ))


سواء عثر علي جثته أو لم يحدث ذلك ، فإن الهيكل العظمي والجمجمة وحتى بفجة الثياب التي تأبطها قبل أن يبتعد عن البيت كل هذه ولا شك أنها موجودة في مكان ما . وربما كان أحد الأولاد الصغار في حالة وجود بقايا الجثة في مغارة أو في مكان مكشوف – يراها ويحدث جده عن أمر تلك البقايا . والجد يبتسم قائلاً: يالخيال الصغار! الهياكل العظمية لا تكشف نفسها لعيون الصغار أبداً . والكبار لا يتركون الجثث في العراء ، بل يدفنون الأموات ويصمتون


(( 2 ))


لأن كل شي أصيب بالخرس حتى زفيف الريح لم يعد يسمع والكلاب لم تعد تنبح والطيور لم تعد تغرد – فأن ((م)) الذي لا يهمنا عمره أو أصله أو فصله – ألا في الحالات الاستثنائية ، والتي كان يضطر فيها أن يعرف نفسه ويحدد أصله ويجهد أن يعرف نفسه تعريفاً دقيقاً في الوضع الحالي وكيف سيكون الحال في المستقبل القريب – أخذ بنقمة بانت علي قسمات وجهه ، يعاند ذلك الخرس الشامل الذي أصاب كافة أهل البلد علي نحو تدريجي ، دون أن يترك أحدا سالماً من هذه الآفة !



(( 3 ))


في احد الأيام القائظة ، حين كان ((م)) منهمكاً في شحذ منجله ، أفاق علي نفسه لحظة انزلق المنجل عن حجر المسن وجرح كف يده اليسري جرحاً عميقاً . خاف الفلاحون الآخرون إن يطول النزيف ويقع المكروه ، فارا دو إن يستدعوا طبيباً من احدي المناطق القريبة ، لكنهم تذكروا إن أحدا منهم لا ينطق بحرف . وفجأة علا صوت ((م)) صارخاً من قحف رأسه ، كمن يدب الصوت علي احد الأموات: إنني أتوجع .. آه ، من وجعي القديم
حاول الآخرون إن يصدقوا إن ما حدث لـ ((م)) حقيقة وليس وهماً ، لكن الصدمة خبلتهم فتراجعوا إلي الوراء وهم يحاولون إن يحركوا ألسنتهم ، لكن لسان احد منهم لم يتحرك وظلو يتبادلوا النظرات بحيرة وصمت ، إلي إن حاول احدهم إن ينقل لهم بعينيه ما يدور في رأسه موحياً لهم إن فصد الدم حرك لسان ((م)) فأسرعوا إثر هذا إلي مناجلهم يعملون في أيديهم تجريحاً وتشطيباً ، ورغم هذا لم ينطق احد منهم


(( 4 ))


مرت الأيام سريعة . وحاول ((م)) في هذه الإثناء إن يتحدث إلي احد الناس بشتي الطرق ليفهمه إن الوضع الحالي لا يطاق. وبعد فتره أيقن إن لسانه لوحده هو الذي يسأل ويجيب ويدحض وينكر ويقبل ، فآل علي نفسه في هذه الحالة إن يترك كل شيء وان يرحل.
حاولت العيون المتفحصة ، بقليل من الحماسة والمودة إن تردعه عن القيام بما عزم عليه غير انه ترك البلدة وهي تغرق في بحر الصمت والحرارة والذباب والروائح الكريهة ، دون إن ينسى إن يوصي ((س)) خيراً بكلبه الأمين


(( 5 ))


احد الرعاة الذين كانوا يبتعدون لأيام عديدة عن البلدة عاد بعد أسبوع وهو يحمل بين يديه البقجة التي أخذها ((م)) لم يسأل احد عن شي .وكادت إن تقع مشاجرة بين أهالي البلدة حين تجمهر قسم كبير منهمٍ لاقتسام الملابس والتين المجفف والزبيب والزعتر فيما بينهم ، ورموا الخبز المتعفن للكلاب وذهب بعض الرعاة بعيداً ، لعلهم يعثرون علي أشيائه الاخري


(( 6 ))


لم يفلح احد ، منذ رحيله ، بالعثور علي أثر له . وظلت تخمينات أهل البلدة ، غير الآسفة علي غيابه وعلي أشياء أخري هامة,تغور في أعماقهم ، دون ادني اهتمام بما آلت إليه أحواله


(( 7 ))


في مكان جبلي ناءٍ علي طرف أحدي المدن الكبيرة ، كان ولد صغير يعود في المساء ليحدث جده عن العابة وعن الأشياء الاخري التي رآها في الطريق وقت ذهابه إلي المدرسة.
وذات مساء ، حدث جده بخوف عظيم انه عثر مصادفة ، هو وأصدقاؤه علي هيكل عظمي وجمجمة. صمت الجد قليلاً ليقول فيما بعد:الجثث لا تنتزع من أماكنها ولا تري في الأماكن المكشوفة اذهب والعب! . اقسم الولد انه رآها وتأتأ وهو يجتهد محاولاً إقناع الجد المستمتع في نفس غليونه في إرجاء المكان بصمت وكسل لذيذين


(( 8 ))


في مكان ظليل تحت شجرة وارفة حفر الولد وأصدقائه حفرة وأنزلوا العظام فيها والجمجمة بحذر وأهالوا التراب عليها بخشوع.
في المساء قام احد أصدقاء الجد بزيارته وحدثه – الصديق – انه صادف في احد الأيام رجلاً شديد الضمور وفي وجهه آثار هزال وإرهاق واصفرار طاغ . اخبره الرجل بصعوبة شديدة ، وبكلمات غير مكتملة الحروف في أحيان ، انه أتي من بلدة بعيدة لا يتكلم أهلها ، ليبحث لهم عن دواء شاف يفك به عقدة ألسنتهم العالقة. وطلب منه الرجل الضامر شربة وبعض الأرغفة و مطرة ماء. فدعاه الصديق إلي بيته مشيراً إلي موقعه ليتبعه ، ولكن الرجل الضامر طلب منه أن يجلب له ما طلب , لأنه لا يستطيع السير والله كفيل بمجازاته خيراً علي صنيعه.
عند هذا الحد أنتهي الحديث حين دخلت كنة الجد وطلبت منه أن يساعد حفيده في حل المسائل المستعصية عليه.


(( 9 ))


جاء في نهاية الملحق: أن الجد جلس إلي الطاولة مدخناً غليونه بهدوء ، بينما حاول الحفيد ان يركز ذهنه في أمور شت باله عنها.
وظلت بلدة ((م)) غارقة في صمت مطبق دأبت علي الحفاظ عليه ، بعد أن آخذت ، يوماً بعد يوم ، تستمرئه وتدمن عليه.



حسام


>>>>> ردود الأعضـــــــــــــــــــاء على الموضوع <<<<<
==================================

روووووووووووووووووووووووعة قصتك تلك

رائع انت يا حسام بما سطرت لنا هنا

دمت ودام قلمك السحري بالوان طيفه الخلابة

تحياتي لك

فرح المرح

__________________________________________________ __________
مبدع اخوي حسام


استمر بهاذا العطاء الرائع


__________________________________________________ __________
اسلوبك رائع ومبدع

اتمنى لك النجاح الدائم

__________________________________________________ __________
الله يعطيك الف عافية

تسلم
تحياتي


__________________________________________________ __________
الله يعطيك الف عافية

مشكور تحياتي لك